من الخطأ الإشارة إلى مباحث التصريف عند النحاة على ما هو مقرر عندنا الآن، فنُلزم النحاة بما لم يُلزموا أنفسهم به.
وواضح بما سبق بيانه في مفهوم التصريف أن المباحث تختلف باختلاف المفهوم؛ فالتصريف عند سيبويه هو ما أورده في باب» ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة والمعتلة، وما قيس من المعتلّ الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل «()، وقد ساق في هذا الباب تمهيدًا له أبنية الأسماء والأفعال، والزوائد فيها، ومواضعها، والإعلال والإبدال، والإدغام، إلى أن وصل إلى مسائل التمارين التي فيها تطبيقٌ عملي لما عرضه في مواضع الزيادات، وقوانين الإعلال والإبدال.
فيمكن أن تكون مسائل التصريف عند سيبويه مع التجاوز مقسّمة أربعة أقسام:
1 - أبنية الأسماء والصفات والأفعال، ومواضع الزيادات فيها.
2 - الإعلال والإبدال.
3 - مسائل التمارين أو ما يسمّى (القياس اللغوي).
4 - الإدغام.
ولم يوضح المبرّد أقسام التصريف، وإنما قال:» وهذه حدود التصريف، ومعرفة أقسامه، وما يقع فيه من البدل والزوائد والحذف، ولا بُدّ أن يُصدّر بذكر شيء من الأبنية، لتعرف الأوزان وليُعلم ما يبنى من الكلام وما يمتنع من ذلك «().
وواضحٌ أنّه لا يَعدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، لقوله: (وما يقع فيه)، أي في التصريف، فأخرج هذه الأمور من التصريف، فالعطف هنا يقتضي المغايرة، وممّا يدلّ على ذلك أيضًا أنه ذكر التصريف فقال:» هذا باب المسائل في التصريف () «، فقصر التصريف على مسائل التمارين والبناء، وهو ما يعرف بالاشتقاق، وما ذكره للأبواب السابقة إلا تمهيد وتوطئة لهذا الباب، أو أنّ هذا الباب تدريب عملي لتلك الأصول التي لا يعدها من التصريف أصلاً.
ولا يخرج المازنيّ عن الأقسام التي ذكرها سيبويه، فالأبواب الثمانية عشرة التي ضمّها كتابه التصريف تندرج تحت الأقسام الثلاثة التالية:
1 - أبنية الأسماء المجردة، والأفعال المجردة والمزيدة، وحروف الزيادة فيها.
2 - الإعلال والإبدال.
3 - مسائل التمارين أو ما يُسمّى (القياس اللغوي).
والفرق بين المازني وسيبويه أن المازنيّ لم يذكر أبنية الأسماء المزيد فيها، وخلا كتابه من باب الإدغام.
وقسّم ابن السّراج التصريف خمسة أقسام؛ إذ يقول:» وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدالٌ، وحذف، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام () «.
ولم يذكر ابن السّراج مسائل التمارين ضمن هذا التقسيم مع أن كتابه قد ضمّها، ولعلّه لم يجعل التصريف قسمًا برأسه وإنما هو تطبيقات على هذه الأقسام الخمسة، ويمكن إدراج الأقسام الخمسة في ثلاثة هي: الزيادة، والإعلال والإبدال، والإدغام؛ وهو بهذا لا يختلف كثيرًا عن سابقيه.
أما أبو عليّ الفارسيّ فقد خصَّص كتابه (التكملة) لمباحث علم الصرف، وذكر أن النحو» علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين:
أحدهما: تغييرٌ يلحق أواخر الكلم.
والآخر: تغيير يلحق ذوات الكلم وأنفسها.
فأمّا التغيير الذي يلحق أواخر الكلم فهو على ضربين:
أحدهما: تغيير بالحركات والسكون أو الحروف يحدثُ باختلاف العوامل، وهذا الضرب هو الذي يسمّى الإعراب، .... وقد ذكرنا ذلك بأصنافه وأبوابه في الجزء الأول من كتابنا الموسوم بكتاب الإيضاح.
والآخر: تغيير يلحق أواخر الكلم من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن أو إسكان متحرك أو إبدال حرف من حرف أو زيادة حرف أو نقصان حرف ....
والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدّها .... () «.
وواضح أنه يعدّ هذه المباحث جزءًا من النحو، غير أنها مقابلة للإعراب، مع أنه لم يسمّ هذه المباحث، ويمكن لنا أن نتجوّز لأنفسنا فنطلق عليها التصريف؛ مع أنه ذكر التصريف مبحثًا من هذه المباحث التي تتعلق بالتغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها ()، ولم يبوّب له بابًا. ومع هذا فالفارسيّ هو أول من جمع هذه المباحث في نسقٍ واحد، وجعلها مقابلةً للإعراب، وهذه المباحث التي ذكرها هي:
1 - التقاء الساكنين. 2 - الوقف. 3 - الابتداء. 4 - تخفيف الهمزة. 5 - التثنية والجمع. 6 - النسب.
¥