تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولعلّنا نجد تفسيراً لهذا الجمع في ما ذكره أبو عليّ الفارسيّ في التكملة من أن النحو» علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب () «. ولا شكّ أن الكلام له أجزاء، منها ما يتعلق بذات الكلمة إفرادًا، ومنها ما يتعلق بارتباطها مع غيرها، فالأول صرف، والثاني نحوٌ أو إعراب، ولأجل هذا الترابط تم الجمع بين مباحث النحو ومباحث الصرف؛ لأنهما مكمّلان لصحة النطق بالكلمة على الوجه السليم الذي ورد عن العرب؛ ومن المعلوم أيضًا أنه لا يغني صحة جزء الكلمة، والخطأ في جزء آخر، وإنما الصواب تكامليّ.

ولا يخفى أن كثيرًا من المؤلفات كانت تستهدف التعليم، ولهذا تنوعت في أساليبها وطرق عرض مادتها، مع أن المادة في كثير منها واحدة.

ولا نبالغ إذا قلنا إن ما في كتاب سيبويه سواءً أكان ذلك في المباحث النحوية أم الصرفية لم يختلف أو يتغير عند النحاة المتأخرين، وكان جلّ شغلهم شرح ما في الكتاب، أو بيان غوامضه، أو عرض مادته بطريقة جديدة، وإن جاء أحدٌ بجديد فهو قليلٌ، إلاّ إن كان اعتراضًا أو استدراكًا.

وممّن جمع بين النحو والصرف: سيبويه في الكتاب، والمبرد في المقتضب، وابن السرّاج في الأصول، والصيمري في التبصرة، والزمخشري في المفصل، والعكبري في اللباب، وابن معطٍ في ألفيته، وابن مالك في ألفيته، وفي الكافية الشافية، وفي التسهيل، وأبو حيان في ارتشاف الضرب، والسيوطي في همع الهوامع، وغيرهم كثير، وبخاصة ممن اعتمد على الألفيات والمتون فشرحها.

غير أن هؤلاء يختلفون في طرق عرض موادهم العلمية على النحو التالي:

أولاً: عرض أبواب الصرف ومباحثه متفرقة ومتداخلة:

درجت بعض كتب النحو والصرف على عرض أبواب الصرف متفرقة بين أبواب النحو، وإذا ما بحثنا عن الرابط بين الأبواب والمباحث، وجدنا أن ذلك يختلف من كتاب لآخر، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه، والمبرد، والزمخشري.

كتاب سيبويه: هو الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه أبواب الصرف ومباحثه كلها، غير أن بعض هذه المباحث تفرّق، ولم ينضمّ بعضه مع بعض، غير أن الذي تقرّر عندنا من مباحث وأبواب أدخلناها تحت اسم الصرف، قد يكون لسيبويه رأي آخر في هذه التسمية؛ فلم يكن التصريف عنده -كما سبق- إلاّ أربعة أنواع وهي: الأبنية، والإعلال والإبدال، والقياس اللغوي، والإدغام؛ وهذه الأمور الأربعة تسلسلت في كتابه من حيث الأبواب والمباحث، ولم تتفرق؛ ومعنى هذا أن سيبويه كان يسير على منهج واحد، وأن ما نحمّله إياه من أن بعض المباحث الأخرى قد تفرّق إنما هو تطبيقٌ لمنهج ارتسم متأخرًا، ولعلّ هذا المنهج لم يكن في ذهنه، وهو ما نحاول أن نعيّن ونفسّر هذا المنهج عنده.

أول أبواب الصرف في كتاب سيبويه هو النسب ()، وقد جاء بعد الحكاية، ولعلّ الرابط بين النسب والأبواب السابقة له أن سيبويه يتحدث في عدد من الأبواب السابقة عن الأسماء، والتسمية: تسمية المذكر بلفظ الاثنين والجميع ()، وتسمية المذكر بالمؤنث ()، والأسماء الأعجمية ()، وأسماء الأرضين ()، والقبائل والأحياء ()، ... إلخ.

والنسب في منظومة الأسماء، إلاّ أن النسب ليس تسميةً صريحة بقدر ما هو وصف؛ إذ إن النسب يخرج الأسماء إلى الأوصاف، ولعلّ سيبويه رأى هذا الرابط، فجعل النسب بعد حديثه عن التسمية؛ ولهذا عنون لهذا الباب بالإضافة، ولعلّه يقصد الإضافة إلى الأسماء لتتحول إلى أوصاف؛ ومع هذا فالتحول المعنويّ هنا يقابله تحوّلٌ لفظيّ في آخر الكلمة، وهو إضافة الياء، ولأجل هذا التغيير في آخر الكلمة بإضافة حرف جاء باب التثنية ()؛ والجمع ()، بعد باب النسب، فالعلاقة بينهما علاقة تغيّر الآخر في الأسماء بإضافة حرف أو أكثر؛ ولأنّ الحديث عن التغيير الذي يحدث من جرّاء إضافة حرف أو أكثر إلى الكلمة من الأسماء جاء باب التصغير () بعد هذا؛ وكأن سيبويه ينظر إلى إيراد هذه الأبواب التي تتعلق بالتغيير متوالية بالنظر إلى الأواخر قبل الأوائل؛ لأن الأواخر أكثر عرضة للتغيير، أي التدرج من آخر الكلمة إلى وسطها ثم أولها، ثم النظر في مقدار هذا التغيير، فإضافة حرف واحد أحقّ في الذكر أولاً من إضافة حرفين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير