وجاء بابٌ في حروف القسم () فاصلاً بين باب التصغير وباب النون الثقيلة والخفيفة ()، ولعلّ العلاقة هنا معنوية؛ إذ إن القسم من متطلباته أحيانًا توكيد الفعل، ولذا جاء تمهيدًا للتوكيد؛ والنون الثقيلة والخفيفة بابٌ يتقاسمه النحو والصرف، فقد جمعه سيبويه معًا ولم يشطّر أجزاءه، ولعلّ علاقة التغيير ما زالت سارية هنا؛ إذ إن إلحاق نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة هو تغيير في الفعل سواءً أكان هذا التغيير إعرابيًا أم صرفيًا.
وما زالت علاقة التغيير باقية، فذكر مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه عند إسناده () وما يحصل له من التغيير، وإن كان التغيير هنا يسير إلى حيث لا يضاف حرف، وإنما هو فكٌّ أو إدغام أو تحريك.
والذي يلاحظ هنا أن التغيير هنا انتقل إلى الأواخر بعد ذكر التصغير وهو تغيير في حشو الكلمة، ولعلّه نظر إلى أن التغييرات في الأسماء قد انتهت فبدأ بالأفعال.
وذكر بعد ذلك المقصور والممدود ()، والهمز ()، والعدد ()، وهذه المباحث لها علاقة بالتغيير إلاّ أَنّه يسير، والمقصور والممدود مختصان بالأسماء، والهمز مشترك بين الأسماء والأفعال، والعدد علاقته بالأسماء، ولهذا فلم أهتد إلى الوجه الذي دعاه إلى أن يذكر هذه الأبواب هنا، وبخاصة إذا علمنا أنه ذكر بعد هذه الأبواب جمع التكسير، وهو تغيير بزيادة حرف أو نقصان آخر، أو تغيير حركة، وعلاقته مع العدد قوية، وإن كانت هذه العلاقة تتضح لو تقدم جمع التكسير على العدد؛ ليكون تمهيدًا ومبيّنًا لتمييز العدد.
وجاء حديثه بعد ذلك عن المصادر () بأنواعها، وبعض المشتقات، ولم يغفل في هذا الجانب أن يذكر الأفعال المجردة والمزيدة هنا ليبيّن مصادرها، وقد حاول أن يلتمس لهذه الأبنية قواعد وقياسات؛ وحفل هذا القسم بمساحة كبيرة من الكتاب.
ثم بدأ بعد ذلك في بيان الظواهر التي تعرض للأسماء والأفعال والحروف، وهي: الإمالة ()، والابتداء ()، والتقاء الساكنين ()، والوقف ()، وهذه المباحث جاءت متتالية، مما يعني الترابط القويّ فيما بينها.
وعقد بعد ذلك بابًا في علم حروف الزوائد ()، وبابًا في حروف البدل ()، ليجعلهما مقدمة للتصريف () الذي جاء بعد هذه المباحث كلها، وختم به كتابه.
وبعد، فإنه يمكن بالنظر إلى ترتيب كتاب سيبويه للمباحث الصرفية أن نستخلص بعض الأصول التي اعتمد عليها في منهجه:
أولاً: اعتمد أولاً على أصل التغيير، فحاول أن يجمع المباحث التي تحمل هذا الأصل مع بعضها، مع أنه تخلّل هذه الأبواب والمباحث بعض القضايا النحوية واللغوية، وإن كان بعض المباحث التي تحمل تغييرا تقديريًا لم يذكرها هنا؛ لأن المباحث التي ذكرها هنا تحمل تغييرًا حقيقيًا.
ثانيًا: جعل الأبنية تالية لمباحث التغيير، وما تأخيره لها إلاّ لأن مباحث التغيير لها صلةٌ بالنحو واللغة، فتلك التغييرات لها معانٍ اقتضت التغيير.
ثالثًا: جعل الظواهر المشتركة بالأسماء والأفعال والحروف مجموعة، ونظر إليها على أنها ظواهر ليست ثابتة في الكلمة، وإنما تأتي حسب نسق الكلام وقد تختفي.
رابعًا: ختم بالتصريف، وما يدلُّ ويفيد فيه، كحروف الزوائد والبدل.
المقتضب للمبرد: كان المبرّد أشدّ تفريقًا لمباحث الصرف من سيبويه، ويكفي أن ننظر في ترتيب الأبنية عنده على نحو لم نستطع معه ضبط منهجه، وكأنه قائمٌ على الخواطر، فبعد أن عَنْوَن لبابٍ في الأبنية ومعرفة حروف الزوائد ()، ذكر في هذا الباب أبنية الاسم الثلاثي المجرد فقط، ثم تلاه بباب في معرفة حروف الزوائد ومواضعها ()، فباب في حروف البدل ()، ثم عاد إلى ذكر بنات الأربعة التي لا زيادة فيها ()، وكان حقّها أن تنضمّ مع أبنية الاسم الثلاثي المجرد، وتلاه بمعرفة بنات الخمسة من غير زيادة ()، ولعلّنا نتلمّس له مخرجًا هنا وهو أنه أراد أن يجعل المبتدئ عالمًا أقلّ الأبنية وهي الثلاثية التي لا زيادة فيها، أما الرباعية والخماسية فتشترك مع المزيدة في عدد حروفها، ولهذا فإن الحكم بالزيادة والأصالة تعود إلى معرفة حروف الزوائد أولاً، فكان هذا الترتيب، وهو منطقٌ تعليمي. غير أنه بعد هذا انتقل إلى مسائل التمارين أو ما يعرف بالتصريف، وقال في هذا:» وإنما ذكرنا هذا الباب توطئةً لما بعده «()، والباب الذي جاء بعده هو معرفة الأفعال: أصولها وزوائدها ()، وتلاه بباب في معرفة ألفات القطع وألفات الوصل ()، وتبدو
¥