ومما يجدر ذكره هنا أنّ الصيمريّ ذكر مصادر الأفعال الرباعية الأصول قبل أن يذكر الأفعال نفسها، وهو ما يخالف منهجه الذي سار عليه، من حيث ذِكْر الأفعال أولاً، ثم بيان المصادر مع الأفعال في باب واحد، وإن كان ترتيب الصيمريّ فيه تنظيم واضح إلاّ أن تباعد بعض المسائل المتقاربة يؤدي إلى خلل في الفهم وبخاصة عند المتعلّمين.
أما القسم الرابع وهو التصريف: فقد اتفق ابن السراج والصيمريّ في موقع هذا القسم؛ إذ جاء آخر المباحث الصرفية.
يقول ابن السراج في مقدمة هذا القسم:» هذا الحدّ إنما سمّي تصريفًا لتصريف الكلمة الواحدة بأبنية مختلفة، وخصّوا به ما عرض في أصول الكلام، وذواتها من التغيير، وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدال، وحذفٌ، وتغييرٌ بالحركة والسكون، وإدغامٌ؛ وله حدٌّ يعرف به «().
وواضح أنه رتب هذه الأبواب على هذا الأساس في التغيير، فبدأ بالزيادة؛ لأن المباحث التالية لها تقتضي معرفتها أولاً، ثم كان الإبدال؛ لأنه أقل المباحث تغييرًا، ثم كان آخر المباحث التي ترتبط بالتغيير، وختم التصريف بالإدغام؛ لأن تأخيره مفيدٌ للمتعلم لدقة مباحثه، وعسر فهمه.
ولم يخرج الصيمريّ كثيرًا عن منهج ابن السراج؛ إذ يقول:» اعلم أن التصريف هو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات، والنقصان، والقلب للحروف، وإبدال بعضها من بعض، وأول التصريف: معرفة الحروف الزوائد ومواضعها «().
ومما زاده الصيمريّ باب الإلحاق فذكره قبل حروف البدل، ثم كان التغيير بالحذف والنقل، وكان هذا التغيير عند الصيمريّ بابًا واحدًا؛ لاقتضاء النقل والتحويل للحذف في كثير من مسائله.
وبعد، فواضح التقارب بين ابن السراج والصيمريّ في منهجهما، والاختلاف كان يسيرًا، ويبقى ابن السراج له فضل السبق والريادة، ولعل الصيمريّ قد استفاد كثيرًا من ابن السراج كما استفاد غيره، ولم يختلف عنه إلاّ في ترتيب بعض الظواهر والمباحث إما بالتقديم أو التأخير.
المذهب الثاني: تقسيم المباحث والأبواب الصرفية أربعة أقسام على النحو التالي:
1 - مقدمات. 2 - التغيير لأجل المعاني الواردة.
3 - ظواهر مشتركة. 4 - التصريف.
وسار على هذا المذهب ابن مالك في مؤلفاته التي جمع فيها بين النحو والصرف كالألفية والتسهيل، والكافية والشافية.
وكان ترتيبه على هذا النسق في المؤلفات الثلاثة، ولم يختلف إلا في التسهيل حيث قدّم التصريف على الظواهر المشتركة.
والمقدمات عند ابن مالك نوعان: أحدهما: مقدمات مخصوصة بقسم واحد، والأخرى مقدمات عامة لمباحث التصريف كلها.
وقد عمد ابن مالك في الألفية والكافية الشافية إلى النوع الأول، وفي التسهيل إلى النوع الثاني.
أما النوع الأول فهو: التأنيث، والمقصور والممدود، وذلك لأنها مهمّة في معرفة مباحث القسم الثاني كالتثنية والجمع والنسب والتصغير.
أما النوع الثاني فهو: أبنية الأفعال ومعانيها، وهمزة الوصل، والمصادر، والتأنيث، والمقصور والممدود، وقد جمعها ابن مالك في أول الكتاب، ولعلّه أرادها مقدملتٍ عامةٍ لمباحث التصريف المتعددة الأخرى.
وكانت أبواب كيفية التثنية وجمع التصحيح وجمع التكسير، والتصغير، والنسب، هي الأبواب التي تُعنى بالقسم الثاني، ورتّبها ابن مالك على النحو السابق في الألفية والكافية الشافية، أما التسهيل فقدّم النسب فجعله أولاً، ثم الجمع ثم التصغير، وترتيبه في الكتابين يتوافق مع قوة التغيير الحادث في الكلمة، ومكان التغيير، فبدأ بالأقوى، وما يحصل فيه تغيير شامل في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها إلى أن يصل إلى ما يحصل فيه تغيير في آخر الكلمة وهو النسب؛ وهذا هو منهج ابن السراج الذي سبق بيانه.
ونأتي إلى الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال فلا يبتعد عن ابن السراج والصيمريّ، حيث ذكر في الألفية والتسهيل: الوقف والإمالة، وفي الكافية الشافية: الإمالة والوقف والتقاء الساكنين.
أما التصريف فلم يتغيّر عنده ما تقرّر عند أسلافه، فذكر فيه: الميزان الصرفي، والزيادة، والإعلال والإبدال، والحذف، والإدغام، ومسائل التمارين، وذكر في الكافية الشافية: تصريف الأفعال والأسماء، وهو ما جعله مقدمةً للتصريف في الألفية تحت عنوان: الأبنية.
¥