وبعد، فإن ابن مالك كان يسير على ترتيب متقارب في كل مؤلفاته، ولم يختلف كثيرًا، وإن وجد بعض الاختلاف فإنه يُعزى غالبًا إلى مراعاة ابن مالك مستوى المتعلمين، فيحذف بعض المباحث لصعوبتها، ويؤخر أخرى لأن المتعلّم يحتاج تأخيرها حتى يكون ما قبلها موطئًا وممهّدًا لها.
المذهب الثالث: تقسيم أبواب الصرف أربعة أقسام على النحو التالي:
1 - ذوات الأبنية. 2 - أحوال ذوات الأبنية. 3 - أحوال آخر الكلمة. 4 - التصريف.
وسار على هذا المذهب السيوطيّ في» همع الهوامع «، ولم يكن رائدًا فيه، فقد سبقه إلى هذه النظرة أبو عليّ الفارسيّ -كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
وإن كان قد زعم السيوطيّ () أن هذا الترتيب بديع لم يُسبق إليه، فهو يقصد ترتيب الكتاب كله، وكذا ترتيب الأبواب النحوية والصرفية.
فذوات الأبنية ذكر فيها: أبنية الاسم، وأبنية الفعل، والمصادر، والمشتقات، وألفا التأنيث، والمقصور والممدود ()، وهذا الترتيب منطقي، فبدأ بأبنية الاسم لشرف الأسماء على الأفعال، ثم ذكر أبنية الأفعال قبل المصادر لأهمية معرفة الأفعال في تسهيل بيان المصادر، ثم المشتقات التي تكون تبعًا للأفعال في الاشتقاق، وذكر المقصور والممدود بعد التأنيث، وذلك ذكرٌ للخاص بعد العام، وهو ترتيب علمي مفيد.
أما أحوال ذوات الأبنية فكان على النحو التالي: جمع التكسير، والتصغير، والمنسوب ().
وقد نحا السيوطيّ منحى التدرج في التغيير من الأكثر والأعم إلى الأقل والمتأخر. وجاءت بعد ذلك أحوال آخر الكلمة على النحو التالي: التقاء الساكنين، والإمالة، والوقف ()، وإن كانت الإمالة ليست متعلقة بالآخر إلاّ أنها ظاهرة صوتية تلحق أحوال الحركة في الكلمة.
ثم جاء التصريف ()، ولم يخرج فيه عن نمط النحاة السابقين، فذكر فيه: الاشتقاق، والميزان الصرفي، وحروف الزيادة، ومعاني حروف الزيادة، والحذف، والإبدال، والنقل والقلب، ثم الإدغام، وواضحٌ التسلسل المنطقي في الترتيب، والتدرج من الأصل إلى الفرع، ومن الأهم إلى المهم.
المذهب الرابع: وهذا المذهب أقرب إلى العشوائية منه إلى المنهجية، فلم يكن له ترتيب منهجي، أو خطة واضحة المعالم يمكن البناء عليها، وإنما هو أشبه بالخواطر، وممَّن سار على هذا المذهب الجزولي في» الجزولية «، وأبو علي الشلوبين في» التوطئة «، ويكفي أن نبيّن الأبواب الصرفية عند أحدهما ليغني عن الآخر؛ لأنهما سلكا ترتيبًا واحدًا لا يختلف، فعند الجزولي كان الترتيب على النحو التالي:
1 - التصغير. 2 - ألف الوصل. 3 - النسب. 4 - الهجاء. 5 - الهمزة في الخط. 6 - المقصور والممدود. 7 - الوقف.
8 - جمع التكسير. 9 - الأبنية. 10 - الاشتقاق. 11 - الإمالة. 12 - التصريف. 13 - الإدغام.
فضلاً عن أن الكتاب لم يشمل جميع الأبواب الصرفية.
القسم الثاني: عرض الصرف قبل النحو:
ولم يكن هذا النهج شائعًا بين النحاة والصرفيين؛ ولعلهم جعلوا الصرف متأخرًا في دراسته لصعوبته؛ أو لأن طلبه يحتاج إلى عقلية أقوى مما يحتاجه النحو، أما من ناحية التسلسل المنطقي فإن الصرف يرتبط بالمفردات، وهو أمرٌ سابقٌ للتركيب؛ لأن الصحة في تركيب الجملة ينبغي أن يسبقها صحة المفردات، وهو اهتمام الصرف، ولعلّ هذه النظرة هي التي قادت أبا حيّان إلى أن يقدم الصرف على النحو في كتابه» ارتشاف الضرب «، بل إنه يصرّح بذلك فيقول:» وحصرته [أي موضوع الكتاب] في جملتين: الأولى: في أحكام الكلم قبل التركيب، والثانية: في أحكامها حالة التركيب «().
وقسم حالة الكلمة () في الإفراد ثلاثة أقسام، وكلّها تتعلق بنظرة الصرفيّ، وهذه الأقسام الثلاثة على النحو التالي:
1 - ما يكون من أحكام للكلمة نفسها.
2 - ما يلحقها من أولها.
3 - ما يلحقها من آخرها.
أما القسم الأول فذكر أنه يتفرع إلى فرعين ():
الأول: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني، وينحصر ذلك في: التصغير، والتكسير، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمقصور والممدود القياسيين.
الثاني: تغيير الكلمة لغير معنًى طارئ عليها، وينحصر ذلك في: الزيادة، والحذف، والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام.
والقسم الثاني محصورٌ في باب واحد وهو همزة الوصل.
والقسم الثالث ينحصر في: التثنية، وجمعي التصحيح، والنسب، والألف المقصورة والممدودة، ونون التوكيد، ونون التنوين.
¥