تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمنسوب والجمع، والتقاء الساكنين، والابتداء، والوقف، وقد تكون للتوسّع، كالمقصور والممدود، وذي الزيادة، وقد تكون للمجانسة، كالإمالة، وقد تكون للاستثقال، كتخفيف الهمزة، والإعلال، والإبدال، والإدغام، والحذف «(). وهذه النظرة من ابن الحاجب نظرة ثاقبة؛ إذ تُعطي هدفًا معيّنًا للأبواب الصرفية، وتوضّح العلل التي بسببها جاءت هذه الأبواب، وتتفرّع هذه العلل، فالحاجة قد تكون» إما لتغيّر المعنى باعتبارها كالماضي والمضارع، وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الإعلال كالتقاء الساكنين في نحو» لم يقل «أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما في نحو» اذهب اذهب «أو عند الشروع في الكلام كالابتداء، وإما لوجه استحساني لا ضروري كوجوه الوقف «(). وهذا نموذجٌ على تفرّع هذه الأسباب.

وكان ابن الحاجب بهذه النظرة رائدًا في مجاله، ولتسلسلها المنطقي الذي ابتعد عن الحشو العشوائي حظيت شافيته بالإقبال الكبير، فشرحها علماء كثر، ونظمها آخرون، ودرس عليها ودرّسها خلقٌ كثير.

ولم يبتعد ابن هشام كثيرًا في كتابه» نزهة الطرف «عن ترتيب ابن الحاجب، بل جاء مساويًا لترتيب ابن الحاجب في مجمله، وإن اختلف عنه في بعض الأمور، لعلّ منها:

أولاً: أن كتاب ابن هشام خلا من بعض الأبواب التي ذكرها ابن الحاجب في كتابه وهي: جمع التكسير، والابتداء، والوقف، والمقصور والممدود، والإمالة، وإن توزعت بعض أحكامها في بعض المباحث التي تتعلق بالتغيير إلاّ أنها قليلة.

ثانيًا: اختلف تبويب ابن هشام للأبنية عما كان عند ابن الحاجب؛ إذ بدأ ابن هشام بالأفعال الثلاثية، وذكر صياغة المشتقات منها والمصادر ثم ثنّى بعد ذلك بالأفعال الرباعية ومشتقاتها ومصادرها، وبعد ذلك جاء بأوزان الأسماء الثلاثية فالرباعية فالخماسية، على حين جعل ابن الحاجب الأوزان الثلاثية والرباعية والخماسية للأسماء من مبادئ علم التصريف، وجعل أوزان الأفعال من أحوال الأبنية.

ثالثًا: أن كتاب ابن هشام أشدّ اختصارًا من شافية ابن الحاجب.

رابعًا: جعل ابن هشام الإعلال في بابين هما: القلب والنقل، وقدّم الحذف على الإدغام على عكس ابن الحاجب.

ومع هذا الاختلاف إلاّ أن شخصية ابن الحاجب ظهرت بوضوح في كتاب ابن هشام» نزهة الطرف «ولعل تأثر ابن هشام بالشافية كان واضحًا، ولا أدلّ على ذلك من أنه شرحها بشرح سماه: عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب ().

• • •

الخاتمة:

الترتيب الصرفي أخذ عناية العلماء المتقدمين والمتأخرين، وما ذلك إلاّ لإيمانهم أن الترتيب الجيد يوصل إلى الهدف والغاية بسهولة ويسر، كما أن التخطيط لأيّ عمل يولّد إنتاجًا وبناءً قويًّا ومتكاملاً، ويمكن أن نذكر في نهاية هذا البحث بعض النتائج التي ظهرت خلال البحث والمناقشة:

1 - كان حرص النحاة والصرفيين بهذه المؤلفات التي وضعوها ضبط اللغة، وتقريب قوانينها وقواعدها إلى أفهام الناس، وبخاصة المتعلمين، كما لا يخفى سعي العلماء إلى إبراز ما تكنُّه هذه اللغة من إعجاز وبيان، ولأجل ذلك توسعوا في دراسة الظواهر اللغوية وحاولوا -ما استطاعوا- تقنينها وتقعيدها حتى يسهل تعلمها وإدراكها، ولا يضيرهم إن بقيت بعض المواد اللغوية متعلقة ومرتبطة بسماع العرب، ولهذا قال ابن فارس:» إن لعلم العرب أصلاً وفرعًا: أما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات، كقولنا: رجلٌ وفرس، وطويل وقصير، وهذا هو الذي يبدأ به عند التعلم. وأما الأصل فالقول على موضوع اللغة، وأوّليتها ومنشئها، ثم على رسوم العرب في مخاطباتها، وما لها من الافتنان تحقيقًا ومجازًا.

والناس في ذلك رجلان: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يعرف غيره، وآخر جمع الأمرين معًا، وهذه هي الرتبة العُليا؛ ....

والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول: أن متوسّمًا بالأدب لو سُئل عن الجزم () والتسويد () في علاج النوق، فتوقّف أو عيّ به أو لم يعرفه - لم ينقصه ذلك عند أهل المعرفة نقصًا شائنًا؛ لأن كلام العرب أكثر من أن يُحصى.

ولو قيل له: هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات؟ ثم لم يعلمه - لنقصه ذلك في شريعة الأدب عند أهل الأدب؛ لا أنّ ذلك يُردي دينه أو يجرُّه لمأثم.

كما أنّ متوسّمًا بالنحو لو سئل عن قول القائل:

لَهِنّك من عبسيّة لوسيمةٌ على هنواتٍ كاذبٌ من يقولها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير