ولم يبتعد أصحاب الكتب الأخرى في هذا القسم عن المازني كثيرًا، وقد نظروا جميعًا إلى أن التصريف خمسة أنواع: زيادة، وبدل، وحذف، وتغيير حركة أو سكون، وإدغام (). وهذه الأنواع تحتاج إلى معرفة الأبنية، ولهذا يقول ابن عصفور بعد الحديث عن أدلة الزيادة:» ولمّا كان النظير والخروج عنه لا يُعلمان إلاّ بعد معرفة أبنية الأسماء والأفعال، وضعت من أجل ذلك بابين، حصرتُ في أحدهما أبنية الأسماء، وفي الآخر أبنية الأفعال «().
ولم يستقص ذكر الأبنية سوى ابن عصفور، مع أن عبد القاهر الجرجاني ذكر بابين في الأبنية، أحدهما في الأسماء، والآخر في الأفعال، إلاّ أنه سار فيهما على نحو ما عند المازني، وكذا فعل ابن الأنباري الذي ذكر فصلاً في معرفة أبنية الأسماء التي لا زيادة فيها، ولم يتطرّق إلى الأفعال.
وكان القياس اللغوي خاتمة الأبواب في التصريف الملوكي والممتع، ولم تتناوله الكتب الأخرى، وكأنها أرادت ذكر الأصول والمبادئ دون التطبيق والتدريب.
أما القسم الثاني الذي يمثله أبو عليّ الفارسيّ في» التكملة «، وابن الحاجب في» الشافية «، وابن هشام في» نزهة الطرف «- فتختلف الثلاثة في طرق ترتيبها.
فأبو علي اتخذ طريقة التدرج في التغيير منهجًا لترتيب أبوابه الصرفية، ويكفي أن نذكر كلامه الذي يدل على ذلك؛ إذ يقول بعد أن قسّم النحو قسمين، فالأول هو الإعراب، وخصّص له كتابه» الإيضاح «، أما الضرب الآخر فهو:» تغيير يلحق أواخر الكلم، من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن، أو إسكان متحرك، أو إبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف .... والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدها، والنسب، وإضافة الاسم المعتل إلى ياء المتكلم، وتخفيف الهمزة، والمقصور والممدود، والعدد، والتأنيث والتذكير، وجمع التكسير، والتصغير، والإمالة، والمصادر، وما اشتق منها من أسماء الفاعلين والمفعولين وغيرها، والتصريف، والإدغام، وسنذكر ذلك بابًا بابًا إن شاء الله «().
ولم يكن ترتيبه لأبواب الكتاب على هذا النسق الذي ذكره، وإنما راعى بعضه، ولم يلتزم أكثره، وذلك أنه ذكر تخفيف الهمزة في الضرب الثاني، ومع هذا ذكره بعد الوقف الذي هو من الضرب الأول، كما أنه ذكر المصادر والمشتقات وأبنية الأفعال قبل الإمالة وهذا يخالف نصّه السابق.
وقد راعى في ترتيب القسم الأول التحريك والتسكين؛ فبدأ بتحريك الساكن وهو التقاء الساكنين، فالابتداء، ثم بتسكين المتحرك وهو الوقف.
أما القسم الثاني فبدأ بالتغييرات التي تشترك بين الأسماء والأفعال، ثم التي تخص الأسماء، ثم تلك التي تخص الأفعال وأخيرًا التصريف.
ولأن الكتاب مخصوص بالتغيير فلم يتناول إلاّ ما اعتراه التغيير، ولهذا لم يذكر تثنية الصحيح في هذا الجزء المخصّص للتصريف؛ إذ يقول:» لا يخلو الاسم المثنّى من أن يكون صحيحًا أو معتلاً، فتثنية الصحيح قد تقدّم ذكرها في الكتاب «() ولعلّ أبا علي لم يرد منهجًا واضحًا في إيراده الأبواب الصرفية فيما يخصّ الأسماء؛ لأن هذه الأبواب هي أكثر المباحث الصرفية في الكتاب، ولهذا فقد رتب هذه الأبواب على النحو التالي:
1 - تثنية وجمع الأسماء المقصورة والممدودة. 2 - النسب. 3 - العدد. 4 - المقصور والممدود.
5 - المذكر والمؤنث. 6 - جمع التكسير. 7 - التصغير. 8 - المصادر والمشتقات.
ومما يلاحظ هنا أن أبا علي عدّ العدد من المباحث الصرفية؛ لأنه نظر إلى أن في العدد تغييرًا في ذوات الكلم، فعدّه هنا بناءً على التقسيم الذي اعتمده.
ومِمّن اختطّ منهجًا قريبًا من منهج أبي علي إلاّ أنّه طوّره وهذبه ابنُ الحاجب في» الشافية «، وقد نهج في ترتيبه منهجًا واضحًا، واعتمد في ذلك على أحوال الأبنية، فبعد أن ذكر المبادئ العامة في التصريف وهي: تعريف التصريف، وأنواع الأبنية، والميزان الصرفي، وانقسام الأبنية إلى صحيح ومعتل، وأبنية الاسم الثلاثية والرباعية والخماسية المجردة، ومزيداتها. شرع في الأبواب الصرفية التي اعتمد في ترتيبها على أحوال الأبنية؛ إذ يصرّح بهذا فيقول:» وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة، كالماضي والمضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبّهة، وأفعل التفضيل، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، والآلة، والمصغّر،
¥