وربما عرض أبو حيان إلى بعض التعليلات الصوتية وخاصة لدى إلمامه ببعض القضايا الصرفية في الكتاب، فلا يجدُ بداً من التعريج على مسائل الثقل والخفة، على نحو ما قام به لدن تعرضه للغات في "فم" فابتدأ باللغة الأفصح ثم ثنّى بالأقلّ فصاحة، فكانت لغة الفتح هي الأقوى، يليها لغة الضم، فالكسر، فالاتباع. وكون بقية اللغات أقل من لغة الفتح عائد إلى علل صوتية من جهة، والخروج على النظير من جهة ثانية. ففي لغة الضم "فُمٌ" فيها خروج- في حالة الجر- من ضم إلى كسر، والكسر حركة عارضة، وفي هذا عناء للجهاز الصوتي للمتكلم، وفيه ثقل عليه، مما جعل المتكلم يجنح إلى لغة الفتح.
ومن ذلك أيضاً ما جاء في تعليله إثبات الهمزة في "لأواء" و"عشْواء"، وهو استثقالهم وقوع الألف بين واوين، فخرجوا بهما عن القياس فقالوا: "لأواءان" و"عشْواءان"، ذلك أن الأصل في همزة التأنيث قلبها واواً في التثنية، فيقال: حمراوان، فكرهوا "لأواءان"، لأجل الواوين، لما فيه من ثقل، فخرجوا عن القياس، فهمزوا.
ولعل تعليلاته هذه تستند إلى ما يطلق عليه اسم "الاقتصاد اللغوي " ذلك أن "المتكلم يميل بطبعه إلى تقليل في الجهد والاقتصاد في تأدية الكلام، إذ يحاول- بدون شعور نمه- أن يقلل من المجهود الذي يبذله ليبلغ غرضه ... ويسمي اللغويون العرب هذه الظاهرة بالتخفيف ".
ولكن الاقتصاد اللغوي غير مقصور- على ما يرى الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح- على قضية الاقتصاد في الجهد العضلي الذي يبذله المتكلم "بل يشمل أيضاً الجهد الذاكري " على نحو ما نقف عليه في مسائل الحمل على المعنى، كما في إعراب "أيِّ" مثلاً قياساً على إعراب "بعض" و"كل" حملاً على المعنى.
وإذا كان لنا أن نعلل إعراض أبي حيان واعتراضه على العلل والتعليل- على نحو نظري فحسب- إنما هو عائد في أساسه إلى النظرة "إلى النحو من وجهة نظر تعليمية فحسب، ولا أظن أحداً في عصرنا أو عصور غبرت قديماً وحديثاً أنْ يعلّم النحو بعلله على نحو مطلق "، ذلك أن تراثنا النحوي يضم كثيراً من الكتب النحوية التعليمية التي أخلاها أصحابها من أي تعليل يذكر
.........................................
.
وإذا كانت مواقف المحدثين (73) من العلل متناقضة بين مؤيد لها ومعارض، فإن من الداعين إلى اطّراحها مَنْ لم يستطع التخلي عنها، فإن العلة أصْل من أصول العربية، واقتلاع هذه الأصول تخريب وعقبة جديدة، ذلك أن العلة ضرب من إثارة التفكير، فإذا ما وعى الدارس انصرف ذهنه إلى تعليل الظواهر، والحكمة إنما تكون في تمهيد العقبة وتذليلها بالتهذيب والتشذيب لمسايرة العصر، والخطر كل الخطر إنما يكمن في الاشتغال المنطقي المجرد وغير المرتبط بواقع اللغة ولا يستند إلى تركيبها. ثم إن من اللسانيين المعاصرين من يأخذ بما علله النحاة لأنها علل مطردة كاشفة عن حكمة العربية الأمر الذي يدفع الدارس إلى الإقرار بوعي علمائنا وإدراكهم أهمية المسألة في تقسيمهم العلل إلى قسمين، على نحو ما قام به أبو عبد الله الحسين بن موسى الدينوري"في حدود 490هـ"، فقد قسم العلل إلى صنفين رئيسين، الأول:
علة مطردة في كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم.
والثاني:
علة تظهر حكمتهم أو تكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم، وهي ما يسمى بـ"علة العلة"، "وهذا ليس لتعليمنا أن نتكلم كما تكلمت العرب، وإنما تُسْتخرج بها حكمتها في الأصول التي وضعتها، ويتبيّن به فضل هذه اللغة على غيرها".
أما العلل الأولى فهي الأكثر انتشاراً وتداولاً واستعمالاً، والأكثر شعباً،
ـ[رياض]ــــــــ[17 - 02 - 2005, 12:53 ص]ـ
أحسن الله إليك إختي الكريمة ...
فقد أفدتُ كثيرا من موضوعك الأول ... ثم أتممتي الفائدة بالثاني ... ومانزال نترقب جديدك المفيد ...
ولي طلب لو تكرمتي به وأظنك فاعلة ...
كما تعلمين حاجة الباحث تكمن بالرجوع إلى المصدر الأصلي للإحالة عليه، فماذا لو أكرمتنا بذكر المصدر مفصلا ليتسنى لنا العود إليه ...
أعني اسم الكتاب ومؤلفه ومعلومات النشر ... ولكي عاطر التحايا ..
محبكم /
رياض.