أما على القول، بأنَّ " مَن " موصولة في قوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ}، فلا أرَى فيها تعليقًا، بل مبتدأ يعُمُّ ويشمل، وبعده الخبر، لماذا؟
لأنَّ الآيات التي ذكرتَها مرتبطة بزمن السَّعة، حيث لا يزال المرء في فسحة من أمره، قد بُيِّن له طريق الخير وطريق الشرِّ، وعلِّق الجزاء علَى السبب، وهذا ما يفيده الشرط.
أما بعد نصب الموازين، فقد انتهى أمر التعليق، ولم يعد هناك اختيار للتفكير أو التدقيق، بل تفصيل:
{فَريقٌ في الجنَّةِ وفَريقٌ في السَّعيرِ}، نسأل الله – برحمته وفضله - أن يجعلنا من أهل الجنَّة، إنه هو البرُّ الرَّحيم.
وإلى التفصيل، أشار الشوكانيُّ – رحمه الله – في تفسيره:
(والفاء في {فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} للتفصيل) انتهى
وأشار إلى موضع آل عمران: {يومَ تبيضُّ وُجوهٌ} الآيات
(وهذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال) انتهى
ألا ترَى – أستاذي الكريم – أنَّ الفاء التي تأتي في صدر الكلام عن أحوال الفريقين، تكون للتفصيل، أو للتفريع، إيذانًا بأنَّ المقام مقام تفصيل.
انظر قوله تعالى، في سورة هود: {فَمنهُم شَقيٌّ وسَعيدٌ} 105
بينما لا تكون الفاء للتفصيل حين يكون المقام مقام تعليق، قال الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أن يَهديَهُ يَشْرحْ صَدرَهُ لِإسْلامِ، ومَنْ يُرِدْ أن يُضِلَّهُ يَجْعلْ صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} الأنعام 125
ثمَّ ألا ترَى أنَّه قد ذُكِر الموصول، دون الشرط، في مواضع أخرى من القرآن العظيم.
قال الله تعالَى: {فأمَّا مَن أوتِيَ كتابَهُ بِيَمينِهِ} الحاقَّة 19
وقال تعالى: {فأما مَن ثَقُلتْ مَوازينُهُ فهُوَ في عِيشةٍ راضِيةٍ} القارعة 6/ 7
" مَن " في الموضعين: اسم موصول
تفصيل للفريقين: فآخذ كتابَه بيمينه، وآخذ كتابَه بشماله.
فإن قلتَ: قد استغنى الكلام بالشرط الذي دلَّت عليه " أمَّا " في الموضعين.
قلتُ: أحسنتَ - أيُّها المتألِّق -، ولكن التفصيل هو غالب أحوالها.
وكونها تفيد الشرط، فذاك للزوم الفاء بعدها، ومع ذلك، فشرطها لا يعلِّق الثاني بالأول.
قال الناظم:
حَرفٌ بهِ التوكِيدُ والتفصيلُ * والشرطُ قدْ تُقصَدُ يا نبيلُ
والفا لتالي التالي حتمًت تَلزَمُ * ووَضعُها للشرطِ مِن ذا يُعلَمُ
تأمَّل قولَه تعالى: {فأمَّا اليتيمَ فلا تقهَرْ} الضحَى
وقولَه تعالَى: {أما السَّفينةُ فكانتْ لِمساكينَ يَعملونَ في البَحرِ} الكهف
والله أعلم
ختامًا، أرَى أنَّ حرفي ما زال يعاني مِن ضعفِ وَزنه، ودُنوِّ شأنه.
وما زلتُ أطمع منكم تقويمًا وتصويبا، ومِن عطاء علمكم حظًّا ونصيبا
دمتَ – أستاذي الحبيب – في حفظ الله ورعايته، وعَفوه وكرامته
مع خالص تحياتي وتقديري
ـ[أبوأيمن]ــــــــ[20 - 03 - 2005, 10:59 م]ـ
إذَا مَا الفِكرُ وَلّدَ حُسنَ لفظ&&وأدّاه الضَّميرُ إلى العيَانِ
ووشّاه فَنَمنَمَه مُسَدٍ&&فصيحٌ في المقال بلا لسان
رأيتَ حُلى البيان مُنَشَّراتٍ&&تَجَلّى بينها صُوَرُ المَعاني
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[22 - 03 - 2005, 09:55 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم
من في هذه الاية هي اسم موصول شبيه بالشرط. والله أعلم