تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحقُّ أنَّ تحويل الصيغة الشرطية " مَن يسافرْ يبتهجْ " إلى جملة اسمية، ليس هو " المسافرُ مبتهجٌ "، لأنَّ هذا التقدير قد ألغَى معنى الشرط، وهو الذي بُني عليه الكلام أصلا، والشرط في هذه الصيغة معنى لا يجوز إغفاله.

ولو أغفلناه - كما قدَّروا - لتساوى قولنا: " مَن يسافرْ يبتهجْ " بالجزم على الشرط، وقولنا: " مَن يسافرُ يبتهجُ "، بالرفع على أنَّ " مَن " اسم موصول، وفي هذا إخلال بالمعنى.

ولو التزمنا الدقَّة في التقدير، لقلنا: " مَن يسافرْ يبتهجْ "، تقديره: " المسافرُ إن يسافرْ يبتهجْ "، لنبقى محافظين على معنى الشرط.

لذلك كان تقدير ابن هشام – رحمه الله – أدقَّ، حين قال: " مَن يقمْ أقمْ معه "، بمنزلة: " كلٌّ مِن الناسِ إنْ يقمْ أقمْ معه "، لأنه حافظ بهذا التقدير الدقيق على معنى الشرط، وهو الذي عقد الصلة بين جملتين، كانتا قبل دخوله مستقلتين، لكل منهما تركيبها الإسنادي، فلمَّا دخل أوجد التلازم بينهما، وعلَّق إحداهما على الأخرى، الأمر الذي يوضِّح أنَّ الصلة بين جملة الشرط وجملة الجواب صلة تعليق، أو صلة تابع بمتبوع، وليست صلة مبتدأ بخبر.

وتوضيحا لذلك، لو كانت عندنا جملتان اسميتان، أو فعليتان، نحو: " أبو بكر قائلٌ "، وأبو بكر صادقٌ أو: " قال أبو بكر "، و" صدق أبو بكر ".

ثم أدخلنا عليهما الشرط، فقلنا: " إنْ كان أبو بكر قائلا فهو صادق "، أو " إنْ قال أبو بكر صدقَ ".

فهل يعني إدخال الشرط، تغيير العلاقات الإسنادية في كل من الجملتين، وجَعْل إحداهما بتمامِها أحد الركنين الإسناديين للجملة الأخرى؟

أي: هل معنى إدخال الشرط، أننا جعلنا الثانية خبرا للأولى؟

أليست كل من الجملتين قائمة بركنيها الإسناديين، في كل من الصيغتين؟

وكلُّ ما فعله الشرط، هو أنه علَّق وقوع الثانية على وقوع الأولى.

والأمر الآخر، أنهم متفقون على أنَّ جملة جواب الشرط الجازم، إذا كانت مقترنة بالفاء، أو إذا الفجائية، فهي في محل جزم.

فكيف يصحُّ جعل الجملة الواحدة في محلين مختلفين من الإعراب في وقت واحد؟

وكيف نقول في مثل قوله تعالى: {ومَن يَتعَدَّ حُدودَ اللهِ فأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمونَ}، إذا جعلنا جملة الجواب في محل جزم، كما هو متفق عليه في عمل الشرط، فقد ألغينا الرفع.

وإذا جعلناها في محل رفع - كما يقولون - فقد ألغينا الجزم.

وإذا جعلناها في المحلَّين فقد وقعنا في التناقض والاضطراب.

الرأي الثاني: " جملة الشرط والجواب معا، هما الخبر "

إنَّ هذا القول قول عجيب، لأنه يجعل من الجملتين جملة واحدة، وهو مناقض لِما اصطلح جمهور النحاة عليه، من كون الجملة مسندًا ومسندًا إليه.

ثم هو مناقض لأصولهم في أنَّ الجملة ذات المحل، يجب أن تكون صالحة لإحلال المفرد محلها.

وأيُّ مفرد يصلح مكان الشرط وجوابه في وقت واحد؟

إننا إذا قلنا إنَّ قوله تعالى: {ومَن يَقترِفْ حَسَنةً نَزِدْ له فيها حُسنًا}، تقديره: " المقترف الحسنة مزيد له فيها وإنَّ قولنا: " مَن يَجتهدْ ينجحْ تقديره: المجتهدُ ناجحٌ، لا نرى هذا التقدير صحيحا، لأنه يلغي معنى الشرط، وهو مراد أصلا.

فأيُّ الكلمتين " مزيد وناجح " نابت مناب الجملتين؟

ثم إذا كانت جملة جواب الشرط مقترنة بالفاء، أو إذا الفجائية، فُهِم على أنها في محل جزم.

فكيف تكون كذلك، ثم تكون في الوقت نفسه داخلة مع أختها جملة الشرط في محل الرفع على الخبرية؟

ولننظر أخيرًا هل بين النحويين من يَعدُّ جملتي الشرط والجواب جملة واحدة؟ كما يرى الدكتور المخزومي، والدكتور قباوة، ليستقيم لأصحاب هذا القول حكمهم.

يقول الدكتور قباوة: (لأنهما أصبحتا، بدخول أداة الشرط عليهما، كالجملة الواحدة)، يعني جملة الشرط والجواب.

لقد وقف النحويون عند أبسط صورة من صور تركيب الكلمات، فأطلقوا عليها لفظ الجملة، وعرفوها بأنها تركيب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى.

وحين فصَّل ابن هشام – رحمه الله - حديثه عن الجملة في " مغنيه "، وتناول فيه الجملة الصغرى، والجملة الكبرى، وذات الوجه، وذات الوجهين، لم يخرج عما أصَّلوه، ولم يخالف ما اصطلح جمهورُهم عليه من معناها، وعدَّ الكبرى مؤلَّفة من جملتين، فقال: هي الاسمية التي خبرها جملة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير