ولم أرَ أحدًا من النحويين يتحدث عن جملة مركبة، بل جعلوا الكلام هو المركَّب، وعادوا به تحليلا وتبسيطا إلى جمل بسيطة.
ولعل أسلوب الشرط أوْلى المواضع بحديثهم عن الجملة المركَّبة من جملتين، لو أنها وجدت، أو جاء ذكرها على ألسنتهم، ولكنَّهم صرَّحوا بأن أسلوب الشرط جملتان، لا جملة واحدة.
قال سيبويه:
(واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال، وينجزم الجواب بما قبله) انتهى
فقد عدَّ الشرط أو الجزاء - كما يلقبه - مؤلَّفا من جملتين، هما جملة الفعل الذي ينجزم بحرف الشرط، وجملة الجواب الذي ينجزم بما قبله.
وينظر المبرِّد إلى الجملة الشرطية على أنها كلام لا يستغنَى بعضه عن بعض، وهذه هي النظرة النحوية منذ سيبويه لم تختلف، ولكن هذا لا يعني أنه نظر إليها على اعتبار أنها جملة واحدة، ذكر المبرد المجازاة مثالاً على المسند والمسند إليه، وقال في موضع آخر: لأنَّ الجزاء غير واجب آخره إلاَّ بوجوب أوله
ويفسِّر المبرد الشرط بأنه وقوع الشيء لوقوع غيره.
ويعتبر الزجاج استمرارًا لمن سبقه، من حيث النظرة إلى طبيعة الجملة الشرطية، فهي ليست جملة مركَّبة، وإنما هي جملتان متلازمتان.
وعدد ابن السراج المواضع التي لا يخلو منها الحرف، وذكر منها الحرف الذي يدخل ليربط جملة بجملة.
ثم قال مفصلا: وأما ربطه جملة بجملة، فنحو قولك: " إنْ يقمْ زيدٌ يقعدْ عمرٌو "، وكان أصل الكلام: " يقومُ زيدٌ يقعدُ عمرٌو "، فـ" يقومُ زيدٌ " ليس متصلا بـ" يقعدُ عمرٌو "، ولا منه في شيء، فلما دخلت " إنْ " جعلت إحدى الجملتين شرطا، والأخرى جوابا.
ونجد عند السيرافي نصَّين يُبيِّنان طبيعة الجملة الشرطية عنده، كما يبيِّنان متابعته لمن سبقه من النحاة في هذه النظرة، يقول: والشرط والجواب هما في الأصل جملتان متباينتان، ربطهما حرف المجازاة، فصارتا كشيء واحد.
ويتابع الفارسي مَن قَبله في النظر إلى الجملة الشرطية على أنها مؤلَّفة من جملتين.
ويؤكِّد الرماني أنَّ أداة الشرط تعقد الجملة الثانية بالأولى، حتى يكون خبرًا واحدًا، وهي تنقل الكلام من الإيجاب على القطع، إلى تعليق الثاني بالأول.
وتابع شيخ فقهاء العربية، ابن جنِّي، خُطا أستاذه الفارسي، فيؤكِّد أنَّ الشرط والجزاء جملتان، يقول: ومنها أنَّ بعض الجمل قد يحتاج إلى جملة ثانية احتياج المفرد إلى المفرد، وذلك في الشرط وجزائه، والقسم وجوابه.
وهكذا يتضح مما سبق، أنَّ الذين جعلوا الشرط والجواب معا هما الخبر، خالفوا ما اصطلح عليه جلَّة النحويين وجمهورهم، من معنى الجملة، وجاءوا بما لا نظير له في النحو، وهم لم يذهبوا هذا المذهب، إلاَّ لأنَّ الشرط وحده لا يُتمُّ المعنى، فشدُّوا إليه جوابه، وجعلوا الجميع خبرا، مع أن كلاًّ من الشرط والجواب جملة مستقلة قائمة بنفسها، ولولا أداة الشرط لما ترتبت إحداهما على الأخرى.
ولما كانتا متلازمتين، وهما متلازمتان معنى، وليس ما يمنع أن يكون لكل منهما محل من الإعراب.
وتلازمهما كتلازم المبتدأ والخبر، وكتلازم الاسم الموصول وصلته، وهو تلازم معنوي، لا يقتضي التلازم في الإعراب.
ودخول أداة الشرط لا يفك العلاقة الإسنادية بين المركبين في الجملة الواحدة، وإنما يجعل بين الجملتين، أو الوحدتين، علاقة تلازم معنوي، أي أنَّ أداة الشرط تدخل لتدلَّ على أنَّ معنى الجواب، وهو معنى مستقل أصلا بنفسه، لا يتحقَّق إلاَّ إذا تحقَّق معنى آخر مستقل بنفسه أيضا في الأصل، وهو معنى الشرط.
ويكفي أنَّ الزمخشري نفسه - وهو الذي جعل الكلام مرادفا للجملة، كما سلف القول، والكلام عنده هو المفيد - جعل للشرط جملتين كسائر النحاة.
فقال: ومن أصناف الحروف حرفا الشرط، وهما " إنْ ولو " يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء.
وأخيرا، نسأل القائلين: " إنَّ الشرط وجوابه معا هما الخبر ".
ما دام الشرط وجوابه جملتين، فكيف تؤوَّلان بمفرد واحد؟
وإذا أوَّلناهما بمفردين، فلا بد أن يكون لكل منهما محل من الإعراب، فكيف تكون الجملتان المؤوَّلتان بهما في محل واحد من الإعراب؟
الرأي الأخير، وهو كون " جملة الشرط وحدها هي الخبر ".
¥