(فحين رأوْا ما وَعدَهم الرسلُ عيانا، قالوا: {لقدْ جاءَتْ رُسُلُ ربِّنا بِالحقِّ ونُودُوا أن تِلكُمُ الجنَّةُ}.
قيل لهم: " هَذه تلكم الجنَّةُ التي وُعِدتُم ") انتهى
وقال القرطبي، في تفسيره:
(وقد تكون تفسيرًا لِما نودوا به؛ لأنَّ النداء قول، فلا يكون لها موضع.
أي قيل لهم: {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} لأنهم وُعِدُوا بها في الدنيا.
أي قيل لهم: " هَذه تلكُمُ الجنَّةُ التي وُعِدتُم بها ".
أو يقال لهم ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بُعْد) انتهى
وعند الرازي، في تفسيره:
(ذكر الزجاج في كلمة " أن " هَهنا وجهين:
الأول: أنها مخففة من الثقيلة، والتقدير: " إنه "، والضمير للشأن، والمعنى: نودوا بأنه تلكم الجنة، أي: نودوا بهذا القول.
والثاني: قال: وهو الأجود عندي، أن تكون " أن " في معنى تفسير النداء. والمعنى: ونودوا، أي: تلكم الجنة.
والمعنى: قيل لهم: {تلكُمُ الجنَّةُ}، كقوله: {وانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا واصْبِرُوا} ص 6، يعني أي: امشوا.
قال: إنما قال: {تلكُم}، لأنهم وُعِدوا بها في الدنيا.
فكأنه قيل: لهم: " هَذه تلكُم التي وُعِدتُم بها) انتهى
وأخيرًا، جاء في حاشية محي الدين شيخ زاده، على تفسير القاضي البيضاوي:
(قوله: [إذا رأوها من بعيد]
يعني ناداهم الملائكة بهذا القول، وهو أن تلك التي رأيتموها الجنة التي وُعِدتُم بها في الدنيا، على أنَّ:
" تلك ": مبتدأ أشير بها إلى ما رَأوْه من بعيد، و" الجنَّةُ ": خبره، واللام فيها للبعد.
قوله: [أو بعد دخولها]
فيكون {تلكُمُ الجنَّةُ}: خبر مبتدأ محذوف.
أيْ: " هَذه تلكُمُ الجنَّةُ التي وُعِدتُم بها في الدنيا ".
ولمَّا كانت الإشارة إلى الجنة الموعود بها في الدنيا، كان المشار إليها غائبًا بعيدًا، فصحَّت الإشارة إليه بلفظ " تلك ".
ويجوز أن يكون " تلكم الجنة ": مبتدأ حُذِف خبرُه، أي: تلكم الجنة التي أُخبِرتُم بها ووُعِدتُم بها، هي هذه.) انتهى
ولا أراني أجرؤ أن أضيف تعليقًا أو كلمةً بعد الشرح الوافي لأهل العلم، - رحمهم الله – ونفعنا بعلمهم.
فإن قال قائل: فهل يجوز الوقف على " الجنَّة "، على القول بأنها خبر، والخبر تتمُّ به الفائدة؟
قلتُ: لا يجوز، لأنَّ جملة " أورثْتُمُوها " حالية على القول بأنَّ " الجنَّة " خبر.
ولا يجوز الوقف على صاحب الحال دون الحال، والله أعلم.
بقيَ النظر، في قَول الهمذاني: (والجملة في رفع بخبر" أن ")
لا أرَى في قَوله إشكالاً – أيتها الكريمة -، ولعلَّ ما ذكره مُصطلَح عنده، ولا بدَّ من تتبُّع تصنيفه ليُعلَم اصطلاحه، والله أعلم.
ختامًا، أسأل الله الكريم، بمنِّه وكرمه، أن يجعلنا من وارثي تلك الجنَّة، وأن يشمل أساتذتنا الكرام بهذا الفضل، وكذا كل مَن مَرَّ بهذه الصفحة فقرأ وأمعن النظر، أو اكتفَى بقراءة عنوانها ومضى بعد أن عرفَ الخبر.
مع عاطر التحايا
ـ[سمط اللآلئ]ــــــــ[17 - 04 - 2005, 01:02 م]ـ
البحاثة النابغة / حازم
أسأل الله تعالى أن يجزيكم خيرا، وينفع بعلمكم ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[17 - 04 - 2005, 06:38 م]ـ
الأستاذ الماجد حازم
لا أعرف لماذا؟ إذا رأيت قلمكم السيال في جنبات الفصيح تذكرت مقولة عضد الدولة لأبي علي: غضب الشيخ وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو:)
دمت بعزّ.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[19 - 04 - 2005, 12:53 ص]ـ
رضي الله عنك يابن جرير الطبري وجزاك الله عن تفسيرك خير الجزاء ...
كيف ذهب بك المذهب إلى هذا التقدير (هذه تلكم)؟ هل وجدت مثل هذا الأسلوب في كلام عربي فصيح يستشهد به لتفسير كتاب الله عزّ وجلّ؟ وكيف غفلت عن آية الزخرف: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) أليست مثل هذه (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)؟ وقد فسرت آية الزخرف بقولك: (يقول تعالى ذكره: يقال لهم: وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات ... )، ففسرتَ اسم الإشارة (تلك) باسم الإشارة (هذه)، أي أن الإشارة إلى البعيد نابت عن الإشارة إلى القريب لتعظيم المشار إليه أو لتعظيم المشير كما يقول ابن مالك رحمه الله.
هذه الكلمة (هذه تلكم) منك جعلت النحوييين من بعدك يكثرون من التأويلات والاحتمالات التي تذهب بالسمة البلاغية المستفادة من وضع اسم الإشارة الموضوع للبعيد مكان اسم الإشارة الموضع للقريب، وهي تعظيم المشير وتعظيم المشار إليه، ألم يبلغك قول حسان أو ابنه في الأنصار وهو منهم في وسطهم:
أولئك القوم أنصار النبي وهم ***** قومي أصير إليهم حين أتصل؟
إن السياق واضح الدلالة على أن المراد المشار إليه بـ (تلكم) هو الجنة التي دخلوها وأورثوها إذ نودوا وهم فيها كآية الزخرف تماما وليس ثمة إشارة إلى الجنة التي كانوا يوعدونها في الدنيا، ولو أريد هذا المعنى لصرح به كما قيل في سورة فصلت: (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) أو كما قيل لأهل الجنة: (وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) وكما قيل لأهل النار: (هذه النار التي كنتم بها تكذبون).
فالمعني المراد في سورة الأعراف _ والله أعلم _ هو الإشارة إلى الجنة التي أورثوها بدليل أن المأثور الذي رواه الطبري كله متجه نحو وراثة المؤمنين الجنة وليس فيها ما يدل على أن المشار إليه بـ (تلكم) هو الجنة الموعودة في الدنيا.
فليكن في الإعراب وجهان فقط الأول: أن يكون اسم الإشارة (تلكم) المبتدأ والجنة صفة أو بدلا أو عطف بيان، وجملة (أورثتموها) الخبر.
الثاني أن يكون (تلكم) المبتدأ و (الجنة) الخبر وجملة (أورثتموها) حال أو استئناف.
ولا حاجة إلى تقدير شيء محذوف لأن الأصل عدم الحذف ولا يقتضي المعنى تقدير شيء محذوف في الآية. والله أعلم.
¥