تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكنَّ كلامه نال الأوائل من علمائنا الأجلاَّء، على أنهم لا يجيدون استعمال كلام العرب، من غير بيِّنة عنده أو دليل، وشبهتُه أنَّه يجلس متَّكئًا على أريكته، ثمَّ يقول: ما وجدتُه في قاموس " ذهني " فهو من كلام العرب، وما لم أجده، فهو ليس من كلام العرب.

وكذلك قَدحه الواضح بأنهم لا يفقهون تفسير القرآن، ولا يتقنون الإعراب.

ويحمل كلامه أيضًا، القَدح في مَن أخذ بعدهم بنفس الرأي، لأنهم – حسب قوله – مقلِّدون، لا يُعملون أذهانَهم في المسائل.

ويعني كلامه أيضًا، أنَّ بقيَّة علماء الأمَّة الذين سكتوا عن هذا الخطأ، ما يزيد عن ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، قد خانوا الأمانة، لأنهم لم يُبيِّنوا هذا الخطأ في توجيه كلام الله.

أرأيتَ – يا هذا – كيف بلغت كلمتُك التي قلتَها، وما زلتَ تصرُّ عليها؟

ولو كان كلامك صحيحًا، فهل تظنُّ أننا نستطيع أن نثقَ بعد ذلك، في مَن نأخذ عنهم العلم؟

أما قول أهل الشبهات: (هلا ذكرت لي عالما واحدا قبل ابن جرير ذهب هذا المذهب؟ فكل الذين ذكرتهم جاؤوا بعد الطبري وأخذوا منه.

فالزجاج بعده بأكثر من مائة عام)

أقول: هذا افتراء وتدليس، وأعجب كيف يقول هذا القَول مَن يَزعم أنه يَنتَسب إلى العلم، ويزعم أنه بلغ درجة فيه؟

الطبري كان معاصرًا للزجَّاج، وكانت وفاته 310 هـ، ووفاة الزجَّاج 311 هـ.

فأين علمك الذي تزعمه، وتتشدَّق به، وترَى أنه لا يوجد أحد غيرك في السَّاحة؟

وأقول أيضًا: أرَى أنَّ الطبري هو الذي نقل هذه المسألة عن الزجَّاج، فقائلها الزجَّاج، - رحمهما الله -.

فإن قيل لي: كيف بَنيتَ هذا الاستنتاج؟

أقول:

أوَّلا: لأنها مسألة نحوية، والزجَّاج هو مَن تنصرف الأذهان إليه.

ثانيًا: لأنَّ الفخر الرازي، وابن الجوزي، والآلوسي، نسبوا هذا القول في تفاسيرهم، للزجَّاج، لا للطبري.

وأقول: الحمد لله، لن يستطيع أصحاب الأهواء والشبهات الوصول للزجَّاج، لأنه لا سبيل لهم إلى ذلك.

ولا بدَّ من جسرٍ لمَن أراد أن يصل إليه، ولا يقدر على تصميم الجسر سِوى " المهندس " – حفظه الله، وزاده عزًّا وتوفيقًا.

ولا بدَّ من الرجوع إلى " المهندس " أولاً.

وقول مَن يَزعم الفَهم: (وضرب مثلا برد الزمخشري قراءة ابن عامر. سبحان الله! ما هذا الشطط؟ كيف يشبه ردي لأمر جزئي من اجتهاد شخصي للطبري برد قراءة سبعية متواترة؟)

أقول: سبحان الخالق العظيم، فقد قسَّم الأفهام كما قسَّم الأرزاق، والحمد لله، أنه لم يجعل الرزق مرتبطًا بالفَهم.

قد ذكرتُ أنَّ الزمخشريَّ ردَّ قراءة ابن عامر، بحجَّة أنَّها ليست من العربية، أو تخالف استعمال العرب.

وقد ردَّ مَن يَزعم الفَهم كذلك، إعرابَ أحد قولي الزجَّاج، بحجَّة أنَّ مثل هذا الأسلوب، لم يوجد في كلام عربي فصيح.

فالقاسم المشترك، بين ردِّ الزمخشري، ومَن مشَى مَشيَه، هو مخالفة كلام العرب.

فعلَّة الردِّ واحدة، فجاز تشبيه اللاحق بالسابق.

أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في حلِّ هذا اللغز، وهو ليس لغزًا معضلا، ولكن ماذا أقول، أقول: حسبيَ اللهُ ونِعم الوكيل.

وأقول: تشابهت العلَّتان، ويمكنني أن أتلو الآية: {تشابَهَتْ قُلُوبُهُم}.

بقيَ النظر في إعراب أهل الشبهات.

يقولون: إن اسم الإشارة " تلك "، بمعنى " هذه "، وما زال المساكين ينتصرون لهذا الرأي، ويدافعون عنه.

وقد قلتُ، وما زلتُ أقول: قولُهم مردود، وتفكيرُهم محدود، وطريقُهم مسدود.

وسأعلِّل – بعد توفيق الله – إجابتي.

الوجه الأوَّل: أنَّ صرف المعنى الظاهر لاسم الإشارة " تلك " إلى " هذه "، يسمَّى تأويلا.

والتأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره.

فإن دلَّ عليه دليل، فهو تأويل.

وإن كان بغير دليل، فهو تحريف لظاهر اللفظ، والتحريف في كتاب الله لا يجوز.

جاء في " شرح العقيدة الطحاوية ":

(وما يفهمه كل عربي من معناها، فإنه قد صار اصطلاح المتأخرين في معنى التأويل: أنه صَرْف اللفظ عن ظاهره، وبهذا تسلَّط المحرِّفون على النصوص، وقالوا نحن نتأول ما يخالف قولنا، فسمُّوا التحريف تأويلا، تزيينا له وزخرفة).

الوجه الثاني: أنه لم يرد عن جمهور المفسِّرين، هذا التأويل العجيب، وسأذكر كتب التفسير التي رجعتُ إليها، لِمَن أراد أن يستوثق من آرائهم:

" جامع البيان عن تأويل آي القرآن "، للطبري، (ت 310)، موضع الأعراف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير