تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان " المنهج النفسي " هو المنهج الذي استوقف هذه الورقة حتى تكون الرؤية أكثر علميّة، وإنصافاً، فوقفت على نشأة علم النفس وأوضحت تحوّلاته، ومدارسه المتعدّدة، التي كانت ثمرة من ثمار تحوّلات الحمولات الفكرية والاجتماعية في الغرب، وهي تحولات زعم كثير من النقاد العرب، أنها لا تؤثر في المناهج النقدية، فهم يتعاملون مع هذه المناهج التقديّة بوصفها أداة إبستمولوجيه، لا بوصفها مذهباً فلسفياً، وكأنه يمكن نزع المنهج من سياقه الثقافي، والتعامل مع مفاهيمه وأدواته الإجرائية بمعزلٍ عن خصوصيّة السياق وحمولات الفكر والتاريخ.

وقد أثبتت هذه الورقة أن مقولة فصل الأداة الإبستمولوجية عن سياقها الفكري والتاريخي مقولة خاطئة، فكثير من حمولات ذلك السياق كانت حاضرة في الممارسة الإجرائية، وما كان للمفاهيم أن تتجه تلك الوجهة لولا أن السياق الثقافي كان الموجه الرئيس لها.

ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:17 م]ـ

ماهيّة الثقافة:

الثقافة في الفكر العربي ([1]) تعني التقويم والتهذيب، من ثقفت الرمح إذا هذّبته وقوّمته، ويراد بها الحذق والفطنة، وترد بمعنى التمكن والغلبة كما في قوله تعالى: س إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ش ([2]).

أمّا في الفكر الغربي فدلالتها مرتبطة بزراعة الأرض، ثم استخدمت

مجازاً في تعريف الفلسفة حيث عرفها شيشرون بأنها زراعة العقل ( Mentis Culture ) وفي عصر النهضة أصبحت الكلمة تطلق على الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع ([3]).

وقد تعددت تعريفات الثقافة حتى أصبحت تقارب مائتي تعريف تقريباً، وقد أقرّت منظمة اليونسكو في مؤتمرها الذي عقدته للثقافة في المكسيك عام 1982 م التعريف الآتي: ((إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جميع السمات الروحيّة والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون، والآداب، وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسيّة للإنسان، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات)) ([4]).

وكثرة تعريفات الثقافة زادت المفهوم تعقيداً، حتى اختلط بمفاهيم أخرى كالحضارة، والمدنية، والتقدّم، ومع هذا فيمكن إجمال تلك المفاهيم المتعددة للثقافة في معنيين اثنين:

1 - المعنى الأنثربولوجي الذي بمقتضاه تصبح كلُّ فعاليّة إنسانية ونشاط ذهني أو مادي " ثقافة " سواءً كان تراكم خبرات، أو صنع أدوات، أو ممارسة تصوّرات فهي بهذا المفهوم الإنسان فاعلاً ومنفعلاً.

2 - السمات المميزة لأمة من الأمم في المعارف والقيم وطرائق الإبداع الجمالي والتقني وطرز الحياة ونمط التفكير والسلوك والتعبير، والتطلعات للمثل العليا ([5]).

وأمّا المثاقفة فيعرفها ميلقن هرسكر فيتز، ورالف لنتون، وروبرت ردفيلد بأنها: ((التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر، ممّا يترتب عليه حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحدى الجماعتين أو فيهما معاً)) ([6]).

ممّا سبق يتضح لنا أن الثقافة هي السمة المميّزة لأي أمة من الأمم روحياً ومادياً، وفكراً وإبداعاً (وفي إطار من هذا التصوّر نعرض للثقافة العربيّة بوصفها سمة مميّزة للأمة الإسلامية عن غيرها من أمم الأرض في التصور والممارسة)، ونقف على المثاقفة بوصفها رافداً ثقافياً تسعى كل أمة من خلاله لتنمية كيانها الثقافي، واستثمار ما لدى الآخرين من الحِكمَ التي كانت نِتاج عبقرية مُلهَمَة، وعملٍ دؤوب، وستكون المثاقفة النقديّة نموذجاً نكشف من خلاله عن الوعي الثقافي بالآخر تكافؤاً واختلافاً.

القرآن الكريم وهو يعرض لنا تجارب الأمم السابقة وتصوّراتها يؤسس لنا منهجاً في الوعي بالآخر، ويحدّد لنا سبيلاً إلى المثاقفة. فالبشرية واحدة، والعالم الذي تتدافع فيه عالم واحد، والربّ الذي تتجه إليه بمشاعرها وسلوكياتها واحد لا شريك له.

وهذا الانفتاح على تلك الثقافات يؤكد أن الثقافة البشريّة واحدة، وأن استيعابَ تلك الثقافات ونقدها هو أساسُ بناءِ الكيان الثقافي الخاص.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير