اتجاهات فكرية معاصرة)) ([137]).
ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:25 م]ـ
التحليل النفسي والفكر الحديث:
لقد حظيت نظرية التحليل النفسي بكثير من العناية والاهتمام، وأثرت في الفكر الحديث تأثيراً عنيفاً حتى إنه ((لا تكاد توجد نظرية واحدة قد أحدثت ما أحدثته من الانقلاب في سير المجتمعات إلا نظرية دارون من قبل، ونظرية كارل ماركس التي سبقت فرويد في الزمن ولكنها لحقته في التنفيذ ... لقد اعتنقت آراءه الجماهير، يظاهرها في ذلك كثير من العلماء. ولم يكتفوا بنصوص نظرياته، بل توسعوا في تفسيرها على هواهم، وآمنوا جميعاً بأن الأمر الطبيعي هو أن تنطلق الغرائز من معقلها، ولا تقف عند حد إلا حد الاكتفاء)) ([138]).
وقد رجع المفكر الإسلامي محمد قطب هذه الهزة العنيفة التي أحدثتها هذه النظرية إلى الأسباب التالية:
1 - الثورة على تعاليم الكنيسة التي رأى فيها الناس حجراً على الحريات، وسبباً للعقد والانحرافات الخلقية.
2 - انتصار النظريات العلمية على قيم الكنيسة، وتدميرها تدميراً شاملاً.
3 - الحرب العالمية الأولى، ونتائجها النفسية على الشباب المسجون في متاريس الحرب الذي قضى شبابه في السجون والخنادق والمعتقلات، وتعرض لحروب الميكروبات، والغازات السامة. فخرج هذا الجيل لا يفتش إلا عن إشباع غرائزه الحيوانية، فكان فرويد هو الهادي، والداعي إلى هذه السنة السيئة. فكان في نظرهم أحد صناع الحضارة الحديثة في القرن العشرين.
4 - ظهور بحوث في الفلسفة وفي علم الاجتماع تنطلق من تصورات فرويد للنفس الإنسانية فتسعى جاهدة لإثبات أن المجتمع قيد لحركة الحياة، وصيرورة الأشياء.
5 - الدعم الكبير الذي لقيته نظرية فرويد من اليهود حتى جعلوها من أهم الأسس التي تقوم عليها سياستهم وفكرهم الخاص، فقد ورد في بروتوكولات حكماء صهيون ما نصه ((يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا .. إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه)) ([139]).
أما أبرز آثارها في الفكر الحديث فهي:
1 - الشك في العقل، وقد كان ذلك نتيجة لنظرة فرويد إلى العقل، فهو خادم للغريزة، وليس هادياً إلى الحقيقة كما يُعتقد، ووظيفته ليس الحدس بالحقيقة، بل الإقناع بما نعتقده غريزياً، ولهذا فنتائجه لا يمكن الوثوق بها لأنها تبرير لمتعقداتنا فهو أداة ضعيفة في مجال المعرفة.
2 - التمرد على السلطة: فقد كشف فرويد وإدلر إلى أن نزعة التسلط على الآخرين من أهم دوافع اللاشعور، وهذه الرغبة يحدث لها نوع من التسامي في الحق الإلهي للملوك أو في سلطة رجال الدين، أو في سلطة القانون، وليست هذه الصور إلا قناعاً للرغبة في فرض السيطرة على العقول ينشأ الشك فيها والتمرد عليها.
3 - الجبرية: فالإرادة في التحليل النفسي ليست ملكة تُمارس بحرية، إذ ليس بمقدور الإنسان أن يضبط نفسه، فأساليب الإنسان في الحياة نتاج رغبات لاشعورية في أعماق نفسه، وعلى هذا ليس هناك ما يسمى بحرية الإرادة، ونتج عن هذا التصور انزلاق في الشهوات، واستغراق في الملذات، لأن المستقبل في علم الله، وللإنسان ساعته التي يعيشها.
4 - الأبيقورية العملية: وذلك بالاستمتاع بملذات الحياة، يقيناً بزوالها، بمعزل عن التفكير فيما هو محرّم، وهذا نتاج الشك في الأخلاق عند مدرسة التحليل النفسي، وزرع التعاليم التي تقول: إن كبح الدافع الغريزي مضر بالشخصية، يورث الاضطرابات العصبية، والسخط من الحياة، فأصبح الباطل حقاً، والحرام حلالاً ([140]).
التحليل النفسي والنقد الأدبي:
من المألوف الذي لا ينكره أحدٌ أن النزعة النفسية في تفسير الأدب قديمة قدم الأدب، فهي تمتد في أفق التاريخ الإنساني حتى فيلسوفي اليونان أفلاطون وأرسطو فأفلاطون يجعل الشاعر متبوعاً ينطق عن وحي سماوي وهو في حالة استحضار بين النبوة والجنون ([141]).
ويربط الشعر بوظيفة خلقية لما له من تأثير على النفوس ([142])، وأرسطو ((المصدر الأول لعلم النفس والنقد النفسي للأدب)) في عدد من مؤلفاته أمثال كتاب النفس، وكتاب الطبيعيات الصغرى وغيرهما ([143]).
¥