ولقد اكتشف الغربيون أنفسهم - تبعاً للكشوفات العلمية الحديثة - ضلال تصورات مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية في دراسة السلوك البشري، حيث يتم إخضاع العقل للغريزة في الأولى، وإلغاؤه في الأخرى، حيث ذهب كثير من علماء النفس في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أن هذا الموقف ((لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرس لخدمة الجنس البشري)) ([180]) مما إدى إلى نشوء حركة جديدة تنادي بأنسنة علم النفس.
ففي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس عقدت في عام 1971 م قرر أتباع هذه الحركة أن يطلقوا علها اسم " علم النفس الإنساني " ([181]).
وجوهر ما ترمي إليه هذه الحركة كما يعبر " إيرفن تشايلد " الأستاذ بجامعة ييل النظر إلى الإنسان ((بوصفه إنساناً، لا مجرد حيوان أو آلة، فالإنسان قوة واعية، وهذه هي نقطة الانطلاق، فهو يجرب، وهو يقرر، وهو يتصرف .. )) ([182]).
النظرة الجديدة تتجه إلى الإنسان ليس بوصفه رزمة من ردود الأفعال، ولا هو نتاج قوى خارجية، ليس آلة، وليس جرذاً كما يُعبر " فكتور فرانكل " ([183]).
وإن الأساطير لا يمكن أن تكون ميراثاً إنسانياً. فهي رؤية وثنية للعالم، سواءٌ أكانت أساطير يونانية، أو جاهلية عربية. فالأساطير اليونانية تقوم على تقسيم الكون بين آلهة عديدة، إله للخصب، وإله للنسل، وإله للشمس، وإله للقمر ([184]). والأساطير الجاهلية تقوم على عبادة الأصنام، والحيوانات، وقوى الطبيعة، اعتقاداً بوجود قوى خارجية فيها، فعبدوها إفادة منها أو دفعاً لشرورها ([185]).
الأساطير اليونانية يمكن أن تكون ميراثاً فكرياً للشاعر الأوروبي الذي ورث هذا التصور حين كانت هذه الأساطير الوثنية إحدى دعائم وجوده الثقافي وتصوراته للكون والحياة.
والأساطير الجاهلية يمكن أن تكون مصدراً لتصور جاهلي جديد يؤمن بالخرافة ويقدسها، ويجعل من الحق باطلاً، والباطل حقاً.
إن هذه الأساطير يونانية أو عربية، لا يصح أن تكون مصدراً لتصور الإنسان المسلم الذي يملك أعظم تصور شامل للإنسان والكون والحياة، يقوم على منهج إلهي محكم، يجعل من الكون دليلاً من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، وخادماً مطيعاً للإنسان، تدبر حركته قوة إلهية. وهو منقاد لربه، يسبح له ويخضع لنواميسه.
لا يحس الإنسان تُجاهه بالخصومة واللَّدد، فالعلاقة بينهما قوامها الحب والألفة. والخضوع كله لله سبحانه وتعالى ([186]).
قال تعالى: س ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ش ([187]).
ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:27 م]ـ
2 - عيوب الإجراء النقدي:
إن المنهج النقدي، إنما كان منهجاً نقدياً، لأنه يفترض فيه أن يقوم بوظيفة من وظائف النقد، التقويم، أو التفسير أو التوجيه، ومطامح أصحاب هذا المنهج - كما عند بسلر - تجعله يجمع بين التفسير والتقويم بدون انحياز لأي وظيفة من هاتين الوظيفتين. وحينما نتأمل نتائج المنهج في الكشف عن جماليات النص الأدبي التي تمثل جوهر أي نظرية نقدية لا نجد شيئاً، فالنص الأدبي في ضوء المنهج النفسي يستحيل إلى وثيقة نفسية، نعرف من خلالها عقد المؤلف وحصاراته، ولا نعرف شيئاً عن النص الأدبي، إلا فيما ندر فهو إذ يحلل النص لا يدلنا على ما ينطوي عليه النص من قيم فنية وجمالية تجعل منه أدباً له خصوصيته الفنية في الرؤيا والنسيج.
تقول إليزابيث دور: ((يبدو لي أن أي تناول للشعر عن طريق علم النفس فاشل منذ اللحظة الأولى، فعلم النفس يستطيع أن يقدم الكثير فيما يختص بالقوى اللاشعورية التي تعمل خلف مفهوم الفن، ولكن له حدوده التي تجعل منه أداة نقدية غاية في الضعف. فهو لا يستطيع أن يلمس العمل الفني ذاته، ولا يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء)) ([188]).
إن كل عمل أدبي يمكن أن نجد فيه نفسية منتجه، ولكن ما قيمة ذلك في موازين أدبية الأدب، وإذا كان هذا المنهج لا يكشف لنا الجيد من الرديء، فإنه لا يفرق بين الجيد والرديء. وهو منهج أحادي النظرة، لا يبحث في الأدب إلا عن دور اللاوعي والأدب نتاج الوعي واللاوعي معاً ([189]).
¥