وليس القصد هاهنا بيان ذلك فأذكر أمثلتَه، على أن كثيراً من هذا الفنّ مما يُرغَب عن ذكره لسخفه، وإنما غرضى بما ذكرتُ أن أُرِيَكَ عِظَم الآفة في الجهل بحقيقة المجاز وتحصيله، وأن الخطأ فيه مُورِّطٌ صاحبَه،،وفاضحٌ له، ومُسقطٌ قَدْرَه، وجاعله ضُحْكةً يُتفَكَّهُ به، وكاسِيهِ عاراً يبقى على وجه الدهر، وفي مثل هذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَحْمِلُ هذا العلمَ من كل خَلَف عُدُولُه، يَنفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويل الجاهلين، وليس حَمْلُه روايتَه وسَرْدَ ألفاظه، بل العلمُ بمعانيه ومخارجه، وطرقِه ومناهجه، والفرق بين الجائز منه والممتنع، والمنقاد المُصْحِب، والنَّابي النافر.
وأقلُّ ما كان ينبغي أن تعرفه الطائفةُ الأولى، وهم المنكرون للمجاز، أن التنزيل كما لم يقلب اللغة في أوضاعها المفردة عن أصولها، ولم يُخرج الألفاظ عن دلالتها، وأنَّ شيئاً من ذلك إن زيد إليه ما لم يكن قبل الشرع يدلُّ عليه، أو ضُمِّن ما لم يتضمّنه أُتبعْ ببيانٍ من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كبيانه للصلاة والحج والزكاة والصوم، كذلك لم يقضِ بتبديل عاداتِ أهلها، ولم ينقلهم عن أساليبهم وطرقهم، ولم يمنعهم ما يتعارفونه من التشبيه والتمثيل والحذف، والاتساع، وكذلك كان من حق الطائفة الأخرى أن تعلم، أنه عزّ وجلّ لم يرضَ لنظم كتابه الذي سمّاه هُدىً وشفاء، ونوراً وضياءً، وحياةً تحيا بها القلوب، ورُوحاً تنشرح عنه الصدور ما هو عند القوم الذين خوطبوا به خلافُ البيان، وفي حدّ الإغلاق والبُعد من التبيان، وأنه تعالى لم يكن ليُعْجِزَ بكتابه من طريق الإلباس والتعمية، كما يتعاطاه المُلغز من الشعراء والمُحاجي من الناس، كيف وقد وصفه بأنه عربيٌّ مبينٌ. هذا وليس التعسُّف الذي يرتكبه بعض من يجهل التأويلَ من جنس ما يقصده أولو الألغاز وأصحاب الأحاجي، بل هو شيء يخرج عن كلِّ طريق، ويُباين كلَّ مذهب، وإنما هو سوء نظر منهم، ووضعٌ للشيء في غيرِ موضعه، وإخلالٌ بالشريطة، وخروجٌٌ عن القانون، وتوهُّمُ أن المعنى إذا دار في نفوسهم، وعُقِل من تفسيرهم، فقد فُهِم من لفظ المفسَّر، وحتى كأنّ الألفاظ تنقلب عن سجيّتها، وتزول عن موضوعها، فتحتمل ما ليس من شأنها أن تحتمله، وتؤدِّي ما لا يوجب حكمها أن تؤدِّيَهُ،)
ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[25 - 05 - 2006, 05:46 م]ـ
:::
القول بالمجاز يحتاج أولا لتحرير المراد بالمجاز، وتحقيق المراد بالوضع، ومن الواضع؟، وهل يجوز لنا أن نقول في آية من القرآن أن هذه اللفظ وضعت لكذا، ثم استعملت في كذا؟، علما بأن المتكلم بالقرآن هو الله، وهو قبل كل شيء.
وانظر في قولهم أن قوله تعالى: "جدارا يريد أن ينقض" من قبيل المجاز، مع أن المتكلم بذلك هو الله، وكل شيء يسبح بحمده، وله إرادة بحسبه، وفي مثل قولهم: "جناح الذل" أنه من قبيل الاستعارة، بناءا على القول بأن الجناح في الأصل للمحسوس من الطير، مع أنهم لا يستطيعون إثبات مثل هذا، والجواز العقلي هنا وارد، والمنع بارد، والقوم قد اضطربوا في كثير من مسائل المجاز، وما بني على جرف هار سينهار، ودعوى الجمال والتلذذ أمر وجداني يمكن تحقيقه بدلالة الاقتران وتطبيع الأذهان، ولو سمي المجاز بغير اسمه لكان له من الحسن ما وقع، ولكنه اعتزال الفكر الساري في هيولى هذيلية أو جبائية لم ينطق بها سيبويه، ولا شيخه الخليل، ولا عرفها الأزرق ولا مجيبه المفقه، وبالجملة فقد اصطلح القوم على ما جادت به قرائحهم في سبيل تحقيق مثالية إفلاطونية، وهي المركزية التي حاربها الجاكي الباكي جاك دريدا.
وقد كان صحب الحبيب:= يجدون لذة في القرآن في غياب هذا المصطلح، وذلك لأنهم لم يعرفوا سوى الحقيقة، وكان شغلهم الشاغل العمل، وأما نحن فركبنا مركب قسيم الحقيقة نبحث عن الجمال واللذة ونخيل لأنفسنا كل ذلك، والله الموفق.
ـ[معالي]ــــــــ[25 - 05 - 2006, 09:04 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيكم جميعا.
لماذا رفض ابن تيمية المجاز .... (حلقات). ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=6107)
ولعل كاتب الموضوع وفقه الله يُتمّه.
شكر الله لكم.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 05 - 2006, 02:30 ص]ـ
بارك الله في الجميع ..
إنّ القول بمنع المجاز في القرآن ليس مجرّد رأي أو فكرة، كما أنه ليس تعصّباً لعالِم أو إمام .. ولكنه قولٌ صحّت وجهته بأدلة نقلية وعقلية ..
وإنْ كان من بين المجيزين جمعٌ قد اختلفوا حول الأدلة النقلية، فإنّ من أوضح الأدلة التي قرأتها حول الأدلة العقلية عن منع المجاز في القرآن، هو إجماع القائلين بالمجاز، على أنّ كلّ مجاز يجوز نفيه، ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر. فنقول لمن قال: رأيت أسداً يجري، ليس هو بأسد، وإنّما هو رجلٌ شجاع.
فيلزم على القول بأنّ في القرآن مجازاً أنّ في القرآن ما يجوز نفيه، ولا شكّ أنّه لا يجوز نفي شيء من القرآن العظيم.
ولا يخفى على كل مَن وُهب نعمة البصر والفؤاد أنّ هذه مسألة في غاية الخطورة .. وأنه يترتب على كلّ مَن أجاز المجاز في القرآن أنْ يبيّن درء هذا التعارض الصارخ واللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن، وبين نفي شيء من القرآن ..
¥