ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[26 - 05 - 2006, 06:20 م]ـ
:::
أخي الفاضل:
تعلم أنهم عرفوا المجاز بقولهم: " اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لملاحظة علاقة وقرينة ما نعة عن إرادته".
سؤالي لك، هو: من الذي يفصل لنا في أولية ما وضع له اللفظ؟ فلفظ الأسد، هل وضع أولا للحيوان، أو للفرد الشجاع، أو لهما؟ ونحن نعلم عدم نص أحد من أئمة اللغة المتقدمين على أن لفظ كذا وضع أولا لكذا، ثم لكذا. مع أن قولهم في التعريف" المستعمل" فصل، والفصل جزء من الماهية، وهي غير منظورة، وغير مسموعة.
وقولهم المجاز من جواز المكان، وأن اللفظ جاز المعنى الأول إلى الثاني، ومثل هذا يحتاج لنقل، ودونه-أيضا- خرط القتاد.
وأما قولك: " فلا ينبغي البحث عن الواضع وليس شرطا في إثبات الوضع معرفة الواضع ولا متى وضع ولا أين وضع"، فهو غريب، مع علمك أن مادة الوضع مأخوذة في التعريف، وهي في التعريف فعل، والفعل عندهم موضوع من جهتين، المادة والهيئة، على تفصيل مشهور عند المتأخرين منهم. والفعل يدخل في حقيقته الفاعل، ولذا جعلوه عمدة، لا يمكن ذكر الفعل بدون ذكره لفظا أو تقديرا. والقوم قد نصوا على أن المجاز محتاج لقرينة مانعة، فإذا كان الواضع هو الله، نسبنا الحاجة له، وهو مما يلزمهم على المشهور من القول المختار في مسألة الواضع عند أرباب المجاز، وهم الأشعرية.
وإذا كان الواضع غيره، فأين المستند، سوى التلذذ، وخشية فقدانه؟
وأما قياسك للمسألة بواضع الأهرامات، فقياس مع الفارق، ولا أراه يخفى على أمثالك.
وأما قولك: " فهذا تدليس ظاهر ولا دليل عليه وأنت مطالب بأن تأتي بدليل على أن لكل شيء إرادة وإلا عددت قولك هذا قولا على الله بغير علم" فيمكن قلبه عليك، فيقال لك، الأصل الحمل على الحقيقة، وصرفه اللفظ عن ظاهره يحتاج لدليل صريح في حالة التعامل مع كلام الله، وترجيح المجاز هو من التقول على الله بغير علم-أيضا-. وقد قال العلامة النووي في شرحه لصحيح مسلم عند حديث: " آذنت بهم شجرة": " هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تمييزا ونظيره، قول الله تعالى: " وإن منها لما يهبط من خشية الله"، وقوله تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم"، وقوله:=: " اني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على"، وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب، وحديث حنين الجذع وتسبيح الطعام، وفرار حجر موسى بثوبه ورجفان حراء وأحد والله أعلم". فهل جميع ما ذكره النووي على الحقيقة أو المجاز؟؟؟؟؟، علما بأن المذكور من قبيل الجماد!!!
وأما قولك: "أما تلك الحجارة التي قال عنها الله أنها تهبط من خشية الله فهي حجارة مخصوصة كما أن الجذع الذي حن للنبي فبكى عليه جذع مخصوص والله وإلا لكان ينبغي أن نسمع بكاء كل منبر خطب عليه النبي وكل مكان قعد فيه إلى يوم القيامة والله، أعلى وأعلم " فهو غريب جدا، وخارج الدعوى، التي تقول: إن كل جماد خلقه الله له إرادة بحسبه وداخل تحت الإمكان بالنسبة لله، فإذا أخبر الله عنه بأمر فيجب حمل الإخبار على الحقيقة؛ لأن المخبر هو الله، وحمل اللفظ على المجاز، يلزم منه لوازم باطلة.
ثم إني سائلك عن معنى الإرادة، ذاك أنني أراك تحمل لها معنى معينا، هو الحقيقي في نظرك، وما سواه مجاز، فهلا قلت لي المستند في ذلك؟ وهل يمتنع الحمل على الحقيقة في كلا المعنيين، عقلا.
وأما قولك: " بل يستطيعون أن يثبتوا ذلك، وسبيله الاستقراء ولا سبيل للعقل في هذه المسألة، فإن الثقاة الأثبات من علماء اللغة، استقروا اللغة أحسن الاستقراء وشافهوا العرب ودونوا مفردات لغتهم ومعانيهم "، فانقل لي قول عالم منهم أن الأسد قد وضع أولا للحيوان المخصوص، وأن الجناح قد وضع أولا للمعنى المخصوص في نظرك؟ ولن تجد عنهم أكثر من بيان المعنى فقط.
ثم إني سائلك عن دلالة اللفظ، هل هي ذاتية، أم اعتباطية؟ وهل هي للصورة الذهنية، أم للحقيقة الخارجية؟ ومثل هذه المباحث لم يثرها سيبويه ولا شيخه الخليل، وإنما نتجت عن تراكمٍ معرفي يتسم بالصبغة المنطقية عند المعتزلة كالجاحظ، والأشاعرة أمثال الشريف والسعد، وهؤلاء من أسعد الناس بالقول بوجود المجاز.
¥