ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[27 - 05 - 2006, 08:06 م]ـ
:::
أخي الفاضل:
أراك قد أغمضت الجفن عن بعض تساؤلاتي، وألقيت عصاك في بحر لجي، لم يحرر غاية التحرير، ولعلي أشير هنا إلى ما طلبت من تعريف الوضع، فأقول:
الوضع له تعريفان، أحدهما:
تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه، وعلى هذا فلا وضع للمجاز؛ لأنه لا يدل على المعنى إلا بقرينة.
والثاني: تعيين اللفظ بإزاء المعنى. وعلى هذا، فالمجاز موضوع-أيضا-.
وقد قرر أهل التحقيق من متأخري البلاغيين أن المجاز موضوع بالوضع النوعي.
إذا علم ما سبق، فسؤالي لك: هل المجاز موضوع بالوضع النوعي أم الشخصي؟ وهل المعتبر في الدلالة أصلها أم الدلالة المعتبرة في الإفادة والاستفادة؟ وهل دلالة اللفظ المجازي لفظية أو عقلية؟ وهل هي مطابقية أو تضمنية؟ أسئلة أريد منك أيها الفاضل أن تخرجني من حيرتها من خلال علمك الحصولي في هذا الباب، حتى نبني عليها هذا الصرح العظيم في نظرك والمسمى بالمجاز، فهو يعتمد على علم الوضع، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومن تصوره تصور أجزائه الذاتية ولو بالوجه. وأما أن تقلد القوم دون تصور حقيقي لأصل المسألة، ففيه ما فيه.
أما قولك: "وظواهر هذه اللغات"، فهذه الظواهر هل هي لزومية، أم مفارقية، وهل ثمة ضابط يميز بين الأمرين، ومن المرجع في تحديد الثابت والمتحول في هذه الظواهر؟
وأما قولك: " اللغة ... " فهذه الأداة المعرفة هل هي استغراقية، أم يراد بها لام الجنس؟ فإن كان الأول، فلا مجاز، وإن كان الثاني، فما الضابط في التفريق بين الحقيقة وقسيمها؟
وأما قولك: "هي تواضع جرى بين أفراد مجموعة لغوية"، فيجري عليها التساؤل السابق، ثم هذه المجموعة، هل هي حقيقية، أم مجرد فرضية؟ وما الألفاظ الأولى التي وضعتها تلك المجموعة، لنحكم عليها بالحقيقة؟
وأما قولك: "ولا يمكن القبول بأن واضع اللغة التي نتكلمها هو الله عز وجل لأننا إن قلنا بهذا القول فيجب الإقرار بأن ما في اللغة من ألفاظ قبيحة وألفاظ كفر تنسب إلى الله عز وجل وهذا لا يليق به سبحانه" فهذا الحكم العقلي، ما مستنده، وأما نسبة تلك اللأفاظ لله، فمن حيث الخلق فقط، ومثل هذا لا يعد قبيحا، فقد خلق الله الخنزير، وكثيرا من القبائح، ولا يقال بأن غير الله خلقها، فرارا من نسبتها لله. ثم الإضافة لا تحصر في التشريف، كما يلوح من كلامك.
وهل هناك ما نع عقلي يمنع من خلق الله لجميع هذه الألفاظ؟ فأنت تعلم أن هذا الأنسان، وفق العلم الحديث، يتكون من خلايا، وتلك الخلايا من كروموسومات، وتلك الكروموسومات من أشرطة دقيقة جدا، وأحماض نووية، لا تعلم تفاصيلها الدقيقة، فهل يستحيل إمكان اشتمال تلك الأجزاء على شفرات تنتظم اللغة البشرية؟ فالعلم الحديث لا يمكنه نفي مثل هذا، ونحن نرى اشتمال بعض الدقائق الحاسوبية على كم هائل جدا من المعلومات، فلا يستحيل مثل هذا على قدرة الله. وأن الله أعطى هذا المخلوق قدرة على الوصول إلى هذه الشفرات كل بحسبه وقدرته، فيغرف منها ما تناله تلك القدرة.
والمقصود مما سبق الحذر كل الحذر من نفي الإمكان، في عالم الإمكان، والاعتقاد بأن وراء قصور العقل أطوار وأطوار، وتلك الأطوار من محارات العقول، فعليك بالشك في أحكامك العقلية، التي يخالفك فيها غيرك ممن يرى بلوغ الرتبة، في عالم الغربة، عالم انغماس النور في وحل الجسد.
أما أنا فأقول: إن القوم وقعوا في حيص بيص، والسلامة كل السلامة أن نتشبث بمسلك الحقيقة ونحمل اللفظ على معناه الذي يدل عليه في السياق، ونجعل ذلك هو المعنى الحقيقي للفظ، ولا نحمله أكثر مما يحتمل. فالحقيقة عرض للفظ، وشرطه المحصل له حصول الإفهام، فإذا حصل الإفهام، اتصف اللفظ بالحقيقة، وكفى.
وعليك بقراءة كتب العقيدة جيدا، وخاصة كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، للغوي المشهور ابن القيم.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[28 - 05 - 2006, 01:20 ص]ـ
السلام عليكم
أستاذنا الفاضل لؤي الطيبي حفظه الله
قلت: فإنّ من أوضح الأدلة التي قرأتها حول الأدلة العقلية عن منع المجاز في القرآن، هو إجماع القائلين بالمجاز، على أنّ كلّ مجاز يجوز نفيه، ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر.
فهل لك أن تدلنا على بعض من وافق على هذا القول من القائلين بالمجاز؟
الأخ الفاضل قوس - سلمه الله ..
¥