ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[12 - 03 - 2003, 11:51 ص]ـ
ترتيب طبيعي حسب الكتب المنزلة
إنّ الذينَ آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين منْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرُهم عندَ ربهم ـ البقرة 62
إن الذين آمنوا يقصد بهم (الذين آمنوا بكتب الله المتقدمة مثل صحف إبراهيم، والذين آمنوا بما نطقت به التوراة وهم اليهود، والذين آمنوا بما أتى به الإنجيل وهم النصارى، فهذا ترتيب على حسب ما تَرَتّبَ تنزيل الله كتبَه، فصحف إبراهيم عليه السلام قبل التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والتوراة قبل الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، فرتبهم عز وجل في هذه الآية على ما رتبهم عليه في بعثة الرسالة، ثم أتى بذكر الصابئين وهم الذين لا يثبتون على دين، وينتقلون من ملة إلى ملة، ولا كتاب لهم كما للطائفتين اللتين ذكرهما الله تعالى في قوله: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" فوجب أن يكونوا متأخرين عن أهل الكتاب)
ترتيب الأزمنة مع نية التأخير، والترتيب بالكتب
إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ـ المائدة 69
(على ترتيب الأزمنة لأن الصابئين وإن كانوا متأخرين عن النصارى بأنهم لا كتاب لهم، فإنهم متقدمون عليهم بكونهم قبلهم، لأنهم كانوا قبل عيسى عليه السلام، فرفع (الصابئون) ونوى به التأخير عن مكانه، كأنه قال بعدما أتى بخبر (إن الذين آمنوا والذين هادوا) (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والصابئون هذا حالهم أيضا، وهذا مذهب سيبويه … وهذه الآية تدل عليه؛ لأنه قدم فيها (الصابئون) والنية بها التأخير على مذهب سيبويه، وإنما قدم في اللفظ وأخر في النية لأن التقديم الحقيقي التقديم بكتبه المنزلة علىأنبيائه عليهم السلام، فلذا فعل ذلك في الآية الأولى، وكان ها هنا تقديم آخر بتقديم الازمان، وجاءت آية أخرى قدم فيها هذا الاسم على ما أخر عنه في الآية التي قبل، ثم أقيمت في لفظه أمارة تدل على تأخره عن مكانه كان ذلك دليلا على أن هذا الترتيب ترتيب بالأزمنة، وأن النية التأخير والترتيب بالكتب المنزلة)
ترتيب الأزمنة
إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ـ الحج 17
وأما الترتيب الثالث في سورة الحج فترتيب الأزمنة التي لا نية للتأخير معه، لأنه لم يقصد في هذا المكان أهل الكتب، إذ كان أكثر من ذكر ممن لا كتب لهم وهم: الصابئون والمجوس والذين أشركوا عبدة الأوثان، فهذه ثلاث طوائف، وأهل الكتاب طائفتان، فلما لم يكن القصد في الأغلب الأكثر من المذكورين ترتيبهم بالكتاب رتبوا بالأزمنة، وأخر الذين أشركوا لأنهم وإن تقدمت لهم أزمنة وكانوا في عهد أكثر الأنبياء الذين تقدمت بعثتهم صلوات الله عليهم، فإنهم كانوا أكثر مَنْ مُني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم، وصَلي بجهادهم، وكأنهم لما كانوا موجودين في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أهل زمانه، وهذا الزمان متأخر عن أزمنة الفرق الذين قدم ذكرهم)
انظر: درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي، ص 16، 17
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[12 - 03 - 2003, 11:54 ص]ـ
تخصيص الصابئين بجملة جديدة يعني أن العطف على غير إرادة إن، أي أن القصد التأخير عما في حيز (إن)، فلا يراد توكيد الصابئين كما تم توكيد الطوائف الثلاثة الأخرى إذ وردت اسما مباشرا لـ (إن) أو معطوفا عليه داخلا في حكمه وهو التوكيد
فما علة ذلك؟
السبب أن الصابئين أبعد الناس عن الحق من الطوائف الأخرى، وأشد إيغالا في الضلال، لأنهم صبؤوا أي خرجوا عن الأديان كلها
فإن تم تقديمهم مع إرادة التوكيد، لدل ذلك على تقدمهم على النصارى وفضلهم عليهم، وليس الأمر كذلك فالنصارى مقدمون عليهم، فكان لا بد من إجراء الموازنة عن طريق نزع التوكيد منهم ليكونوا في مكانهم الطبيعي، أي مؤخرين عن النصارى في المعنى، وإن تقدموا لفظا لفائدة هي: أن هذا التقديم ليس لفضلهم على النصارى في المعتقد، أو سبقهم في الزمن، وإنما لمناسبة السياق الذي اقتضى تقديم الصابئين للتنبيه على أنهم يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح مع ضلالهم البين، فإذا كان هؤلاء يتاب عليهم فما الظن بغيرهم؟
هذا وإن الكلام القادم سيكون عن النصارى وتوضيح عقائدهم و أقوالهم فناسب تأخيرهم ليعود الكلام إلى أقرب مذكور ويكون اسم النصارى أقرب إلى ما سيُتَحدّث به عنهم
هذا ملخص لما تمكنت منه أسأل الله التوفيق وغفران الزلل
ـ[المعتز]ــــــــ[13 - 03 - 2003, 05:28 م]ـ
معلمتي الفاضلة أنوار الأمل
أشكرك أجزل الشكر على هذا البحث المضني وهذا الإهتمام الذي يدل على حرصك على هذه اللغة وعلومها ... كما أشكرك على إزالة اللبس الذي كان لدي والذي تسبب في عدم فهمي للمقصود من الآيات ... وأعتقد أنه كان بسبب اعراب الواو التي قبل (الصابئون) واوا استنافية وليست عاطفة كما تفضلت وأوضحت
لكن اسمحي لي أن أكون ثقيلا عليك بهذا السؤال:
هل هناك علاقة بين هذه الآيات الثلاث وبين سياقها في السور الواردة فيها أوجدت هذا الاختلاف في الترتيب أم هو مجرد تنوع فقط؟؟
أخيرا تقبلي خالص دعائي لك بدوام التوفيق في الدارين
¥