تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه جَميل، وعندما يتّصف بالجمال يكون صفحاً لوجه الله، لا يجعله صاحبه حديثاً يُذكر به بين النَّاس.

وقد نقول: إنّ الجمال في الصبر والصفح قد يكون مألوفاً. لكن ماذا نقول في جمال الهجر وجمال السرح، وهُما لونان من المقاطعة؟! إنّ القرآن بهذا يُعطى بُعداً جديداً للسلوك الإنساني، وأنَّ الجمال مطلوب ومرغوب حتى في السلوك الذي لايخلو من ألم ومُعاناة.

لقد أساء المشركون إلى الرسول الكريم، وأمر الله في معاملتهم بالهجر مع الصبر، والهجر قد يتنافى مع مُهمّة الداعية، لكن الهجر الذي أمر الله به نبيّه الهجر الجميل الذي يُشعر المهجور بسوء تصرّفه، وضلال سعيه مع استبقاء البرّ به والودّ له، فقال تعالي: {واصبر على مايقولون واهجرهم هجراً جميلاً} (المزمل:10).

وسراح المرأة: أن تكون في حلّ من رابطة الزوجية، فهو الطلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقعه الأليم على النفس عندما يقترن بالجمال نحصل على ثمراته، وننأى عن سوءاته، ويَجْمُل السراح عندما تفارق المرأة بيت الزوجية من غير غبن، أو قهر، أو انتقاص للحقوق، بعيداً عن البغي والعدوان.

وذُكرَ السراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التنزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النبي لزوجاته عندما سألنه التوسعة في النفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيّه: {يا أيها النبي قُلْ لأزواجِكَ إن كُنتنّ تُردنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتَها فتَعالَين أُمتِعُكن وأسرّحكم سراحاً جميلاً} (الأحزاب:28).

وثانيتهما: مطالبة الأزواج الذين يطلّقون الزوجات قبل الدخول، بأن يمتّعوا الزوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثم السراح الجميل دون بغي على الحقوق، وتعقب بالإساءة، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسّوهن فمالكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتِعوهُن وسرِّحوهُن سَراحَاً جَمِيلاً} (الأحزاب:49).

هذا هو حديث الجمال في القرآن الكريم، يُعطى مقاييس ثابتة راشدة للجمال المادي، كما يُعطى أبعاداً جديدة للجمال المعنوي، بحيث يتحرّاه الإنسان في إقباله وإعراضه، في حبّه وكراهيته، في ثوابه وعقابه، في منحه ومنعه. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث وأستاذ بجامعة الأزهر.

المراجع:

1ـ تفسير القرآن العظيم. لابن كثير، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، بدون تاريخ.

2ـ في ظلال القرأن. لسيد قطب، الطبعة الثانية، بيروت، دار الشروق 1979م.

3ـ المعجزة الكبرى: القرآن. لمحمد أبوزهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.

4ـ المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بـ"الراغب الأصفهاني"، دار المعرفة، بيروت.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير