تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشر الأول في قوله: (من شر ما خلق 2) فإذا عرفت هذا فلنتكلم على الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين الشر الأول العام في قوله من شر ما خلق0

و (ما) - ههنا- موصولة، ليس إلا0 و (الشر) مسند في الآية إلى المخلوق المفعول، لا إلى خلق الرب تعالى الذي هو فعله وتكوينه، فإنه لا شر فيه بوجه ما0 فإن الشر لا يدخل في شيء من صفاته، ولا في أفعاله، كما لا يلحق ذاته تبارك وتعالى؛ فإن ذاته لها الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه0 وأوصافه كذلك لها الكمال المطلق والجلال التام0 ولا عيب فيها، ولا نقص بوجه ما0 وكذلك أفعاله كلها خيرات محضة، لا شر فيها أصلا0 ولو فعل الشر سبحانه، لاشتق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه منه حكم0 تعالى وتقدس عن ذلك0 وما يفعله من العدل بعباده، وعقوبة من يستحق العقوبة منهم هو خير محض؛ إذ هو محض العدل والحكمة؛ وإنما يكون شرا بالنسبة إليهم0 فالشر وقع في تعلقه بهم، وقيامه بهم، لا في فعله القائم به تعالى0 ونحن لا ننكر أن الشر يكون في مفعولا ته المنفصلة؛ فإنه خالق الخير والشر0 ولكن هنا أمران ينبغي أن يكونا منك على باب: أحدهما: أن ما هو شر، أو متضمن للشر، فإنه لا يكون إلا مفعولا منفصلا، لا يكون وصفا له، ولا فعلا من أفعاله0 والثاني: أن كونه شرا هو أمر نسبي إضافي، فهو خير من جهة تعلق فعل الرب وتكوينه به، وشر من جهة نسبته إلى من هو شر في حقه0 فله وجهان هو من أحدهما خير؛ وهو الوجه الذي نسب منه إلى الخالق سبحانه وتعالى خلقا وتكوينا ومشيئة، لما فيه من الحكمة البالغة التي استأثر بعلمها، وأطلع من شاء من خلقه على ما شاء منها0 وأكثر الناس تضيق عقولهم عن مباديء معرفتها، فضلا عن حقيقتها، فيكفيهم الإيمان المجمل بأن الله سبحانه هو الغني الحميد، وفاعل الشر، لا يفعله لحاجته المنافية لغناه، أو لنقصه وعيبه المنافي لحمده، فيستحيل صدور الشر من الغني الحميد فعلا، وإن كان هو الخالق للخير والشر0 فقد عرفت أن كونه شرا هو أمر إضافي، وهو في نفسه خير من جهة نسبته إلى خالقه ومبدعه0 فلا تغفل عن هذا الموضع فإنه يفتح لك بابا عظيما من معرفة الرب ومحبته، ويزيل عنك شبهات حارت فيها عقول أكثر الفضلاء0

وفي الحديث الآخر:" أعوذ بكلمات الله التامة التي لا يجاوزها بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرا وبرا ومن شر ما نزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن- صحيح0

الشر الثاني- فصل شر الغاسق إذا وقب: الشر الثاني (شر الغاسق إذا وقب) 0 فهذا خاص بعد عام وقد قال أكثر المفسرين: إنه الليل0 قال: عبد الله بن عباس:" الليل إذا أقبل بظلمته من الشرق، ودخل في كل شيء، وأظلم "0 والغسق الظلمة0 يقال: غسق الليل، وأغسق إذا أظلم0 ومنه قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل الإسراء 78) 0 وكذلك قال الحسن ومجاهد0 والغاسق إذا وقب: الليل إذا أقبل ودخل0 والوقوب: الدخول0 وهو دخول الليل بغروب الشمس0 وقال مقاتل:" يعني ظلمة الليل إذا دخل سواده في ضوء النهار "0 وفي تسمية الليل غاسقا قول آخر إنه من البرد0 والليل أبرد من النهار0 والغسق: البرد0 وعليه حمل عبد الله بن عباس قوله تعالى: (هذا فليذوقوه حميم وغساق ص 75) 0 وقوله: (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا النبأ 24 25) 0 قال: هو الزمهرير يحرقهم ببرده، كما تحرقهم النار بحرها0 وكذلك قال مجاهد ومقاتل: هو الذي انتهى برده0 ولا تنافي بين القولين؛ فإن الليل بارد مظلم0 فمن ذكر برده فقط أو ظلمته فقط، اقتصر على أحد وصفيه0 والظلمة في الآية أنسب لمكان الاستعاذة؛ فإن الشر الذي يناسب الظلمة أولى بالاستعاذة من البرد الذي في الليل0 ولهذا استعاذ برب الفلق الذي هو الصبح والنور من شر الغاسق الذي هو الظلمة، فناسب الوصف المستعاذ به للمعنى المطلوب بالاستعاذة، كما سنزيده تقريرا عن قريب إن شاء الله0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير