تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصل سبب الاستعاذة من شر الليل: والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل، وشر القمر إذا وقب، هو أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة وفيه تنتشر الشياطين0 وفي الصحيح: أن النبي أخبر أن الشمس إذا غربت انتشرت الشياطين0 ولهذا قال: فاكفوا صبيانكم واحبسوا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء0 رواه البخاري ومسلم0 وفي حديث آخر: فإن الله يبث من خلقه ما يشاء والليل هو محل الظلام وفيه تتسلط شياطين الإنس والجن ما لا تتسلط بالنهار فإن النهار نور والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة وعلى أهل الظلمة0

وروي أن سائلا سأل مسيلمة: كيف يأتيك الذي يأتيك؟ فقال في ظلماء حندس0 وسأل النبي: كيف يأتيك؟ فقال في مثل ضوء النهار0 فاستدل بهذا على نبوته، وإن الذي يأتيه ملك من عند الله، وأن الذي يأتي مسيلمة شيطان0 ولهذا كان سلطان السحر، وعظم تأثيره؛ إنما هو بالليل دون النهار0 فالسحر الليلي عندهم هو السحر القوي التأثير0 ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين، وبيوتهم مأواهم0 والشياطين تجول فيها وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه0 وكلما كان القلب أظلم، كان للشيطان أطوع، وهو فيه أثبت وأمكن0

فصل السر في الاستعاذة برب الفلق: ومن- هاهنا- تعلم السر في الاستعاذة برب الفلق في هذا الموضع0 فإن الفلق الصبح الذي هو مبدأ ظهور النور، وهو الذي يطرد جيش الظلام وعسكر المفسدين0 في الليل يأوي كل خبيث وكل مفسد وكل لص وكل قاطع طريق إلى سرب أو كن أو غار وتأوي الهوام إلى أحجرتها والشياطين التي انتشرت بالليل إلى أمكنتها ومحالها، فأمر الله تعالى عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها ويقهر عسكرها وجيشها0 ولهذا ذكر سبحانه في كل كتاب أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور ويدع الكفار في ظلمات كفرهم0

فصل تفسير الفلق: واعلم أن الخلق كله فلق0 وذلك أن فلقا فعل بمعنى مفعول كقبض وسلب وقنص، بمعنى مقبوض ومسلوب ومقنوص0 والله عز وجل فالق الإصباح وفالق الحب والنوى وفالق الأرض عن النبات والجبال عن العيون والسحاب عن المطر والأرحام عن الأجنة والظلام عن الإصباح0 ويسمى الصبح المتصدع عن الظلمة فلقا وفرقا0 يقال: هو أبيض من فرق الصبح وفلقه0 وكما أن في خلقه فلقا وفرقا فكذلك أمره كله فرقان يفرق بين الحق والباطل فيفرق ظلام الباطل بالحق كما يفرق ظلام الليل بالإصباح ولهذا سمى كتابه الفرقان، ونصره فرقانا؛ لتضمنه الفرق بين أوليائه وأعدائه0 ومنه فلقة البحر لموسى وسماه فلقا، فظهرت حكمة الاستعاذة برب الفلق في هذه المواضع وظهر بهذا إعجاز القرآن وعظمته وجلالته، وأن العباد لا يقدرون قدره، وأنه (تنزيل من حكيم حميد فصلت 42) 0

الشر الثالث- شر النفاثات في العقد: الشر الثالث شر النفاثات في العقد0 وهذا الشر هو شر السحر0 فإن النفاثات في العقد هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر0 والنفث هو النفخ مع ريق وهو دون التفل0 وهو مرتبة بينهما0 والنفث فعل الساحر0 فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة، نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك0 وقد تساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور، فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري، لا الأمر الشرعي0

فإن قيل: فالسحر يكون من الذكور والإناث، فلم خص الاستعاذة من الإناث دون الذكور؟ قيل في جوابه: إن هذا خرج على السبب الواقع، وهو أن بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي0 هذا جواب أبي عبيدة وغيره0 وليس هذا بسديد؛ فإن الذي سحر النبي هو لبيد بن الأعصم كما جاء في الصحيح0 والجواب المحقق إن النفاثات هنا هن الأرواح والأنفس النفاثات لا النساء النفاثات؛ لأن تأثير السحر، إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة، والأرواح الشريرة0 وسلطانه، إنما يظهر منها0 فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث، دون التذكير والله أعلم0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير