تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأحدهما يستعين بالشيطان ويعبده وهو الساحر0 وقلما يتأتى السحر بدون نوع عبادة للشيطان وتقرب إليه0 إما بذبح باسمه، أو بذبح يقصد به هو؛ فيكون ذبحا لغير الله، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق0 والساحر وإن لم يسم هذا عبادة للشيطان، فهو عبادة له، وإن سماه بما سماه به0 فإن الشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه0 فمن سجد لمخلوق، وقال: ليس هذا بسجود له0 هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة، كما أقبلها بالنعم0 أو هذا إكرام، لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجودا لغير الله، فليسمه بما شاء0

سورة الناس: وأما سورة الناس فقد تضمنت أيضا استعاذة، ومستعاذا به، ومستعاذا منه0 فالاستعاذة تقدمت0 وأما المستعاذ به فهو الله تعالى رب الناس، ملك الناس، إله الناس0 فذكر ربو بيته للناس، وملكه إياهم، وإلاهيته لهم0 ولا بد من مناسبة في ذكر ذلك في الاستعاذة من الشيطان الرجيم كما تقدم0 فنذكر أولا معنى هذه الإضافات الثلاث ثم وجه مناسبتها لهذه الاستعاذة0

الإضافة الأولى: إضافة الربوبية المتضمنة لخلقهم وتدبيرهم وتربيتهم وإصلاحهم وجلب مصالحهم وما يحتاجون إليه ودفع الشر عنهم وحفظهم مما يفسدهم هذا معنى ربو بيته لهم0 وذلك يتضمن قدرته التامة ورحمته الواسعة وإحسانه وعلمه بتفاصيل أحوالهم وإجابة دعوا تهم وكشف كرباتهم0

الإضافة الثانية: إضافة الملك0 فهو ملكهم المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه وهو المتصرف لهم المدبر لهم كما يشاء النافذ القدرة فيهم الذي له السلطان التام عليهم فهو ملكهم الحق الذي إليه مفزعهم عند الشدائد والنوائب وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجؤهم فلا صلاح لهم ولا قيام إلا به وبتدبيره فليس لهم ملك غيره يهربون إليه إذا دهمهم العدو ويستصرخون به إذا نزل العدو بساحتهم0

الإضافة الثالثة: إضافة الإلهية0 فهو إلههم الحق ومعبودهم الذي لا إله لهم سواه ولا معبود لهم غيره فكما أنه وحده هو ربهم ومليكهم لم يشركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد فكذلك هو وحده إلاههم ومعبودهم فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكا في إلهيته كما لا شريك معه في ربوبيته وملكه0 وهذه طريقة القرآن الكريم يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة0 وإذا كان وحده هو ربنا ومالكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه ولا ملجأ لنا منه إلا إليه ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعي ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب سواه ولا يذل لغيره ولا يخضع لسواه ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقا وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره ولا يستنصروا بسواه ولا يلجئوا إلى غير حماه0 فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته وملكه وإلاهيته لهم0 فكيف لا يلتجيء العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه ومالكه وإلهه؟

فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستعاذة من أعدى الأعداء، وأعظمهم عداوة، وأشدهم ضررا، وأبلغهم كيدا0 ثم إنه سبحانه كرر الاسم الظاهر، ولم يوقع المضمر موقعه فيقول: رب الناس، وملكهم، وإلههم تحقيقا لهذا المعنى، وتقوية له0 فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه، ولم يعطف بالواو، لما فيهم من الإيذان بالمغايرة0 والمقصود الاستعاذة بمجموع هذه الصفات حتى كأنها صفة واحدة0

وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب، وأخر الإلهية لخصوصها؛ لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها0 فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه، وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه؛ ولكن ترك إلهه الحق، واتخذ إلها غيره0 ووسط صفة الملك بين الربوبية والإلهية لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره، فهو المطاع، إذا أمر0 وملكه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكه من كمال ربوبيته0 وكونه إلاههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها0 فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق0 خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلاهيته0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير