تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصل العاين والحاسد: والعاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء0 فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه0 فالعاين تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته0 والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضا0 ويفترقان في أن العاين قد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه0 فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين0

والمقصود أن العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد0 ولهذا- والله أعلم- إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم0 فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنا0 فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين0 وهذا من شمول القرآن الكريم، وإعجازه وبلاغته0 وأصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود، وتمني زوالها0

الساحر والحاسد: فالحاسد عدو النعم0 وهذا الشر هو من نفس الحاسد وطبعها، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها، بل هو من خبثها وشرها، بخلاف السحر0 فإنه؛ إنما يكون باكتساب أمور أخرى واستعانة بالأرواح الشيطانية0 فلهذا- والله أعلم- قرن في السورة بين شر الحاسد، وشر الساحر؛ لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن0 فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين0 وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن، وهو الوسوسة في القلب0 فذكره في السورة الأخرى، كما سيأتي الكلام عليها، إن شاء الله تعالى0

فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه0 بل هو أذى من أمر خارج عنه0 ففرق بينهما في الذكر في سورة الفلق0 والوسواس؛ إنما يؤذي العبد من داخله بواسطة مساكنته له، وقبوله منه0 ولهذا يعاقب العبد على الشر الذي يؤذيه به الشيطان من الوساوس التي تقترن بها الأفعال والعزم الجازم؛ لأن ذلك بسعيه وإرادته بخلاف شر الحاسد والساحر0 فإنه لا يعاقب عليه؛ إذ لا يضاف إلى كسبه، ولا إرادته0 فلهذا أفرد شر الشيطان في سورة، وقرن بين شر الساحر، والحاسد في سورة0

وكثيرا ما يجتمع في القرآن الحسد والسحر للمناسبة0 ولهذا اليهود أسحر الناس وأحسدهم0 فإنهم لشدة خبثهم فيهم من السحر والحسد ما ليس في غيرهم0 وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بهذا، وهذا فقال: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئسما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون البقرة 102) 0

والشيطان يقارن الساحر والحاسد ويحادثهما ويصاحبها0 ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان؛ لأن الحاسد شبيه بإبليس وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعم الله عنهم، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله وأبى أن يسجد له حسدا0 فالحاسد من جند إبليس0 وأما الساحر فهو يطلب من الشيطان أن يعينه ويستعينه0 وربما يعبده من دون الله تعالى حتى يقضي له حاجته، وربما يسجد له0

والمقصود أن الساحر والحاسد كل منهما قصده الشر؛ لكن الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود، والشيطان يقترن به ويعينه ويزين له حسده ويأمره بموجبه، والساحر بعلمه وكسبه وشركه واستعانته بالشياطين0

فصل الحسد يشمل الحاسد من الجن والإنس0 وقول (من شر حاسد إذا حسد) يعم الحاسد من الجن والإنس0 فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله تعالى من فضله، كما حسد إبليس أبانا آدم وهو عدو لذريته، كما قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فاطر 6) 0 ولكن الوسواس أخص بشياطين الجن، والحسد أخص بشياطين الإنس0 والوسواس يعمهما، كما سيأتي بيانهما0 والحسد يعمهما أيضا، فكلا الشيطانين حاسد موسوس، فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعا0 فقد اشتملت السورة على الاستعاذة من كل شر في العالم، وتضمنت شرورا أربعة يستعاذ منها: شرا عاما؛ وهو شر ما خلق0 وشر الغاسق إذا وقب0 فهذا نوعان0 ثم ذكر شر الساحر والحاسد؛ وهما نوعان أيضا؛ لأنهما من شر النفس الشريرة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير