تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويكفي من شره أنه أقسم بالله ليقعدن لبني آدم صراطه المستقيم، وأقسم ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم0 ولقد بلغ شره أن أعمل المكيدة وبالغ في الحيلة حتى أخرج آدم من الجنة0 ثم لم يكفه ذلك حتى استقطع من أولاده شرطة النار من كل ألف وتسعة وتسعين0 ثم لم يكفه ذلك حتى أعمل الحيلة في إبطال دعوة الله من الأرض وقصد أن تكون الدعوة له وأن يعبد من دون الله0 فهو ساع بأقصى جهده على إطفاء نور الله وإبطال دعوته وإقامة دعوة الكفر والشرك ومحو التوحيد وأعلامه من الأرض0 ويكفي من شره أنه تصدى لإبراهيم خليل الرحمن حتى رماه قومه بالمنجنيق في النار فرد الله تعالى كيده عليه وجعل النار على خليله بردا وسلاما0 وتصدى للمسيح حتى أراد اليهود قتله وصلبه فرد الله كيده وصان المسيح ورفعه إليه0 وتصدى لزكريا ويحيى حتى قتلا واستثار فرعون حتى زين له الفساد العظيم في الأرض ودعوى أنه ربهم الأعلى0 وتصدى للنبي وظاهر الكفار على قتله بجهده والله تعالى يكبته ويرده خاسئا0 وتفلت على النبي بشهاب من نار يريد أن يرميه به وهو في الصلاة فجعل النبي يقول ألعنك بلعنة الله0 وأعان اليهود على سحرهم للنبي0 فإذا كان هذا شأنه وهمته في الشر فكيف الخلاص منه إلا بمعونة الله وتأييده وإعاذته0 ولا يمكن حصر أجناس شره فضلا عن آحادها إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه0

فصل الصدور والقلوب: وتأمل السر في قوله تعالى: (يوسوس في صدور الناس)، ولم يقل: في قلوبهم0 والصدر هو ساحة القلب وبيته0 فمنه تدخل الواردات إليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب0 فهو بمنزلة الدهليز له0 ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود0 ومن فهم هذا، فهم قوله تعالى: (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم آل عمران 154) 0 فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته فيلقي ما يريد إلقاءه في القلب فهو موسوس في الصدر، ووسوسته واصلة إلى القلب0 ولهذا قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان طه 120)، ولم يقل: فيه؛ لأن المعنى أنه ألقى إليه ذلك وأوصله فيه، فدخل في قلبه0

فصل الجار والمجرور من الجنة والناس: وقوله تعالى: (من الجنة والناس) 0 اختلف المفسرون في هذا الجار والمجرور: بم يتعلق؟ فقال الفراء وجماعة: هو بيان للناس الموسوس في صدورهم0 والمعنى: يوسوس في صدور الناس الذين هم من الجن والإنس0 أي: الموسوس في صدورهم قسمان: إنس وجن0 فالوسواس يوسوس للجني كما يوسوس للإنسي0 وعلى هذا القول فيكون من الجنة والناس نصب على الحال؛ لأنه مجرور بعد معرفة على قول البصريين0 وعلى قول الكوفيين نصب بالخروج من المعرفة0 هذه عبارتهم0 ومعناها: أنه لما لم يصلح أن يكون نعتا للمعرفة، انقطع عنها0 فكان موضعه نصبا0 والبصريون يقدرونه حالا0 أي: كائنين من الجنة والناس0 وهذا القول ضعيف جدا لوجوه:

أحدها: أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدور الجن، ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي، ويجري منه مجراه من الإنسي0 فأي دليل يدل على هذا حتى يصح حمل الآية عليه؟

والثاني: أنه فاسد من جهة اللفظ أيضا0 فإنه قال: (الذي يوسوس في صدور الناس) 0 فكيف يبين الناس بالناس؟ فإن معنى الكلام على قوله: يوسوس في صدور الناس الذين هم، أو كائنين من الجنة والناس0 أفيجوز أن يقال: في صدور الناس الذين هم من الناس، وغيرهم؟ هذا ما لا يجوز، ولا هو استعمال فصيح0

الثالث: أن يكون قد قسم الناس إلى قسمين: جنة وناس، وهذا غير صحيح0 فإن الشيء لا يكون قسيم نفسه0

الرابع: أن الجنة لا يطلق عليهم اسم الناس بوجه، لا أصلا، ولا اشتقاقا، ولا استعمالا0 ولفظها يأبى ذلك0 فإن الجن إنما سموا جنا من الاجتنان، وهو الاستتار0 فهم مستترون عن أعين البشر، فسموا جنا لذلك، من قولهم: جنه الليل، وأجنه، إذا ستره0 ومنه: الجنين، لاستتاره في بطن أمه0 قال تعالى: (وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم النجم 31) 0 ومنه: المجن، لاستتار المحارب به من سلاح خصمه0 ومنه: الجنة لاستتار داخلها بالأشجار0 ومنه: الجنة بالضم، لما يقي الإنسان من السهام والسلاح0 ومنه: المجنون، لاستتار عقله0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير