تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الناس فبينه، وبين الإنس مناسبة في اللفظ والمعنى0 وبينهما اشتقاق أوسط، وهو عقد تقاليب الكلمة إلى معنى واحد0 والإنس والإنسان مشتق من الإيناس، وهو: الرؤية والإحساس0 ومنه: قوله: (آنس من جانب الطور نارا القصص 29) 0 أي: رآها0 ومنه: (فإن آنستم منهم رشدا النساء 6) 0 أي: أحسستموه، ورأيتموه0 فالإنسان سمي إنسانا؛ لأنه يونس0 أي: يرى بالعين0

والناس فيه قولان: أحدهما: أنه مقلوب من أنس، وهو بعيد0 والأصل عدم القلب0 والثاني: هو الصحيح0 أنه من النوس، وهو الحركة المتتابعة0 فسمي الناس ناسا، للحركة الظاهرة، والباطنة، كما سمي الرجل: حارث، وهمام0 أصدق الأسماء- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم0 صحيح- لأن كل أحد له هم، وإرادة0 وهي مبدأ وحرث وعمل هو منتهى0 فكل أحد حارث وهمام0 والحرث والهم حركتا الظاهر والباطن، وهو حقيقة النوس0 وأصل ناس: نوس0 تحركت الواو قبلها فصارت ألفا0

هذان هما القولان المشهوران في اشتقاق الناس0 وأما قول بعضهم: إنه من النسيان0 وسمي الإنسان إنسانا، لنسيانه، وكذلك الناس سموا ناسا، لنسيانهم، فليس هذا القول بشيء0 وأين النسيان الذي مادته: (ن س ي) إلى الناس الذي مادته: (ن و س)؟ وكذلك أين هو من الإنس الذي مادته: (أ ن س)؟

وأما إنسان فهو فعلان من (أ ن س) 0 والألف والنون في آخره زائدان، لا يجوز فيه غير هذا البتة؛ إذ ليس في كلامهم: أنس حتى لا يكون إنسانا إفعالا منه0 ولا يجوز أن يكون الألف والنون في أوله زائدتين؛ إذ ليس في كلامهم: انفعل0 فيتبين أنه: فعلان من الأنس0 ولو كان مشتقا من نسي، لكان نسيانا، لا إنسانا0

فإن قلت: فهلا جعلته إفعلالا، وأصله: إنسيان، كليلة إصحيان، ثم حذفت الياء تخفيفا، فصار إنسانا؟ قلت: يأبى ذلك عدم إفعلال في كلامهم0 وحذف الياء بغير سبب، ودعوى ما لا نظير له، وذلك كله فاسد0 على أن الناس قد قيل: إن أصله: الأناس0 فحذفت الهمزة، فقيل الناس0 واستدل بقول الشاعر: إن المنايا يطلعن على الأناس الغافلين0

ولا ريب أن أناسا فعالا0 ولا يجوز فيه غير ذلك البتة0 فإن كان أصل ناس أناسا، فهو أقوى الأدلة على أنه من أنس، ويكون الناس كالإنسان سواء، في الاشتقاق، ويكون وزن ناس على هذا القول: عال؛ لأن المحذوف فاؤه0 وعلي القول الأول يكون وزنه: فعل: لأنه من النوس0 وعلى القول الضعيف يكون وزنه: فلع؛ لأنه من نسي، فقلبت لامه إلى موضع العين، فصار ناسا0 ووزنه: فلعا0

والمقصود أن الناس اسم لبني آدم، فلا يدخل الجن في مسماهم0 فلا يصح أن يكون: (من الجنة والناس) بيانا لقوله: (في صدور الناس) 0 وهذا واضح لا خفاء فيه0

فإن قيل: لا محذور في ذلك0 فقد أطلق على الجن اسم الرجال، كما في قوله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن 6) 0 فإذا أطلق عليهم اسم الرجال، لم يمتنع أن يطلق عليهم اسم الناس0

قلت: هذا هو الذي غر من قال إن الناس اسم للجن والإنس في هذه الآية0 وجواب ذلك: أن اسم الرجال؛ إنما وقع عليهم وقوعا مقيدا في مقابلة ذكر الرجال من الإنس0 ولا يلزم من هذا أن يقع اسم الناس والرجال عليهم مطلقا0 وأنت إذا قلت: إنسان من حجارة، أو رجل من خشب، ونحو ذلك، لم يلزم من ذلك وقوع اسم الرجل والإنسان عند الإطلاق على الحجر والخشب0 وأيضا فلا يلزم من إطلاق اسم الرجل على الجني أن يطلق عليه اسم الناس0 وذلك؛ لأن الناس، والجنة متقابلان0 وكذلك: والإنس، والجن0 فالله تعالى يقابل بين اللفظين، كقوله: (يا معشر الجن والإنس الرحمن 33) 0 وهو كثير في القرآن0 وكذلك قوله: (من الجنة والناس 6) يقتضي: أنهما متقابلان، فلا يدخل أحدهما في الآخر، بخلاف الرجال، والجن، فإنهما لم يستعملا متقابلين0 فلا يقال: الجن والرجال، كما يقال: الجن والإنس0 وحينئذ فالآية أبين حجة عليهم في أن الجن، لا يدخلون في لفظ الناس؛ لأنه قابل بين الجنة، والناس، فعلم أن أحدهما لا يدخل في الآخر0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير