ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:18 م]ـ
(16)
تخبر فيه عن النكرة بنكرة
وذلك قولك: ما كان أحد مثلك، وما كان أحد خيراً منك، وما كان أحد مجترئاً عليك.
وإنما حسن الإخبار ههنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه، ولأن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا.
وإذا قلت كان رجل ذاهباً فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله. ولو قلت كان رجل من آل فلان فارساً حسن؛ لأنه قد يحتاج إلى أن تعلمه أن ذاك في آل فلان وقد يجهله. ولو قلت كان رجل في قوم عاقلاً لم يحسن؛ لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا عاقل وأن يكون من قوم. فعلى هذا النحو يحسن ويقبح.
ولا يجوز لأحد أن تضعه في موضع واجب، لو قلت كان أحد من آل فلان لم يجز، لأنه إنما وقع في كلامهم نفياً عاماً. يقول الرجل: أتاني رجل، يريد واحداً في العدد لا اثنين فيقال: ما أتاك رجل، أي أتاك أكثر من ذلك، أو يقول أتاني رجل لا امرأة فيقال: ما أتاك رجل، أي امرأة أتتك. ويقول: أتاني اليوم رجل، أي في قوته ونفاذه، فتقول: ما أتاك رجل، أي أتاك الضعفاء. فإذا قال: ما أتاك أحد صار نفياً "عاماً" لهذا كله، فإنما مجراه في الكلام هذا. ولو قال: ما كان مثلك أحداً، أو ما كان زيد أحداً كان ناقضاً؛ لأنه قد علم أنه لا يكون زيد ولا مثله إلا من الناس. ولو قلت ما كان مثلك اليوم أحد فإنه يكون أن لا يكون في اليوم إنسان على حاله، إلا أن تقول: ما كان زيد أحداً، أي من الأحدين. وما كان مثلك أحد على وجه تصغيره، فتصير كأنك قلت: ما ضرب زيد أحداً وما قتل مثلك أحداً.
والتقديم والتأخير في هذا بمنزلته في المعرفة وما ذكرت لك من الفعل. وحسنت النكرة "ههنا" في هذا الباب لأنك لم تجعل الأعرف في موضع الأنكر، وهما متكافئان كما تكافأت المعرفتان، ولأن المخاطب قد يحتاج إلى علم ما ذكرت لك وقد عرف من تعنى بذلك كمعرفتك.
وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم، أجريت الصفة على الاسم. فإن جعلته على قولك فيها زيد قائم "نصبت"، تقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن. وإذا أردت أن يكون مستقراً تكتفي به فكلما قدمته كان أحسن، لأنه إذا كان عاملاً في شيء قدمته كما تقدم أظن وأحسب، وإذا ألغيت أخرته كما تؤخرهما، لأنهما ليسا يعملان شيئاً.
والتقديم ههنا والتأخير "فيما يكون ظرفاً أو يكون اسماً، في العناية والاهتمام، مثله فيما ذكرت لك في باب الفاعل والمفعول. وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير" والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، فمن ذلك قوله عز وجل: "ولم يكن له كفواً أحد". وأهل الجفاء من العرب يقولون: ولم يكن كفواً له أحد، كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة. وقال الشاعر: لتقربن قرباً جلذياً ما دام فيهن فصل حيا
فقد دجا الليل فهيا هيا
ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:20 م]ـ
(17)
ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع
بلغة أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله وذلك الحرف "ما". تقول: ما عبد الله أخاك، وما زيد منطلقاً.
وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، أي لا يعلمونها في شيء وهو القياس، لأنه ليس بفعل وليس ما كليس، ولا يكون فيها إضمار.
وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها، كما شبهوا بها لات في بعض المواضع، وذلك مع الحين خاصة، لا تكون لات إلا مع الحين، تضمر فيها مرفوعاً وتنصب الحين لأنه مفعول به، ولم تمكن تمكنها ولم تستعمل إلا مضمراً فيها، لأنها ليس كليس في المخاطبة والإخبار عن غائب، تقول لست "ولست" وليسوا، وعبد الله ليس ذاهباً، فتبنى على المبتدأ وتضمر فيه، ولا يكون هذا في لات لا تقول: عبد الله لات منطلقاً، ولا قومك لاتوا منطلقين.
ونظير لات في أنه لا يكون إلا مضمراً فيه: ليس ولا يكون في الاستثنار، إذا قلت أتوني ليس زيداً ولا يكون بشراً.
وزعموا أن بعضهم قرأ: "ولات حين مناص " وهي قليلة، كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك القيسي: من فر عن نيرانها فأنا ابن قيس لا براح
جعلها بمنزلة ليس، فهي بمنزلة لات في هذا الموضع في الرفع.
¥