أضمر لعلم المخاطب بما يعنى، وهو اليوم. وسمعت بعض العرب يقول أشنعا ويرفع ما قبله، كأنه قال: إذا وقع يوم ذو كواكب أشنعا.
واعلم أنه إذا وقع في هذا الباب نكرة ومعرفة فالذي تشغل به كان المعرفة، لأنه حد الكلام، لأنهما شيء واحد، وليس بمنزلة قولك: ضرب رجل زيداً لأنهما شيئان مختلفان، وهما في كان بمنزلتهما في الابتداء إذا قلت عبد الله منطلق. تبتدئ بالأعرف ثم تذكر الخبر، وذلك قولك: كان زيد حليماً، وكان حليماً زيد، لا عليك أقدمت أم أخرت، إلا أنه على ما وصفت لك في قولك: ضرب زيداً عبد الله. فإذا قلت: كان زيد فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك فإنما ينتظر الخبر. فإذا قلت: حليماً فقد أعلمته مثل ما علمت. فإذا قلت كان حليماً فإنما ينتظر أن تعرفه صاحب الصفة، فهو مبدوء به في الفعل وإن كان مؤخراً في اللفظ. فإن قلت: كان حليم أو رجل فقد بدأت بنكرة، ولا يستقيم أن تخبر المخاطب عن المنكور، وليس هذا بالذي ينزل به المخاطب منزلتك في المعرفة، فكرهوا أن يقربوا باب لبس.
وقد تقول: كان زيد الطويل منطلقاً، إذا خفت التباس الزيدين، وتقول: أسفيها كان زيد أم حليماً، وأرجلاً كان زيد أم صبياً، تجعلها لزيد، لأنه إنما ينبغي لك أن تسأله عن خبر من هو معروف عنده كما حدثته عن خبر من هو معروف عندك فالمعروف هو المبدوء به.
ولا يبدأ بما يكون فيه اللبس، وهو النكرة. ألا ترى أنك لو قلت: كان إنسان حليماً أو كان رجل منطلقاً، كنت تلبس، لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان هكذا، فكرهوا أن يبدءوا بما فيه اللبس ويجعلوا المعرفة خبراً لما يكون فيه هذا اللبس.
وقد يجوز في الشعر وفي ضعف من الكلام. حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب، وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيداً وجعلته خبراً أنه صاحب الصفة على ضعف من الكلام، وذلك قول خداش بن زهير: فإنك لا تبالي بعد حول أظبي كان أمك أم حمار
وقال حسان بن ثابت: كأن سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري: ألا من مبلغ حسان عني أسحر كان طبك أم جنون
وقال الفرزدق: أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميماً بجوف الشام أم متساكر
فهذا إنشاء بعضهم. وأكثرهم ينصب السكران ويرفع الآخر على قطع وابتداء.
وإذا كان معرفة فأنت بالخيار: أيهما ما جعلته فاعلاً رفعته ونصبت الآخر، كما فعلت ذلك في ضرب، وذلك قولك: كان أخوك زيداً، وكان زيد صاحبك، وكان هذا زيداً، وكان المتكلم أخاك.
وتقول: من كان أخاك، ومن كان أخوك، كما تقول: من ضرب أباك إذا جعلت من الفاعل، ومن ضرب أبوك إذا جعلت الأب الفاعل. وكذلك أيهم كان أخاك وأيهم كان أخوك.
وتقول: ما كان أخاك إلا زيد كقولك ما ضرب أخاك إلا زيد. ومثل ذلك قوله عز وجل: "ما كان حجتهم إلا أن قالوا ": "وما كان جواب قومه إلا أن قالوا ". وقال الشاعر: وقد علم الأقوام ما كان داءها بثهلان إلا الخزي ممن يقودها
وإن شئت رفعت الأول كما تقول: ما ضرب أخوك إلا زيداً. و "قد" قرأ بعض القراء ما ذكرنا بالرفع.
ومثل قولهم: من كان أخاك، قول العرب ما جاءت حاجتك، كأنه قال: ما صارت حاجتك، ولكنه أدخل التأنيث على ما، حيث كانت الحاجة، كما قال بعض العرب: من كانت أمك، حيث أوقع من على مؤنث. وإنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لأنه كان بمنزلة المثل، كما جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم: "عسى الغوير أبؤساً "، ولا يقال: عسيت أخانا. وكما جعلوا لدن مع غدوة منونة في قولهم لدن غدوة. ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام، وسترى مثل ذلك إن شاء الله.
ومن يقول من العرب: ما جاءت حاجتك، كثير، كما يقول من كانت أمك. ولم يقولوا ما جاء حاجتك كما قالوا من كان أمك، لأنه بمنزلة المثل فألزموه التاء، كما اتفقوا على لعمر كان في اليمين.
وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول: ما جاءت حاجتك؛ فيرفع.
ومثل قولهم ما جاءت حاجتك إذ صارت تقع على مؤنث، قراءة بعض القراء: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " و "تلتقطه بعض السيارة ". وربما قالوا في بعض الكلام: ذهبت بعض أصابعه، وإنما أنث البعض لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه، ولو لم يكن منه لم يؤنثه، لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن.
ومما جاء مثله في الشعر قول الشاعر، الأعشى: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
لأن صدر القناة من مؤنث. ومثله قول جرير: إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبى اليتيم
لأن "بعض" ههنا سنون. ومثله قول جرير أيضاً: لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
ومثله قول ذي الرمة: مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
وقال العجاج: طول الليالي أسرعت في نقضى
وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق به: اجتمعت أهل اليمامة، لأنه يقول في كلامه: اجتمعت اليمامة، يعني أهل اليمامة، فأنث الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة، فترك اللفظ يكون على ما يكون عليه في سعة الكلام.
ومثل "في هذا" يا طلحة أقبل، لأن أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم فترك الحاء على حالها. ويا تيم تيم عدي أقبل. وقال الشاعر جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم في سوءة عمر
وسترى هذا مبيناً في مواضعه إن شاء الله.
وترك التاء في جميع هذا "الحد والوجه. وسترى ما" إثبات التاء فيه حسن إن شاء الله "من هذا النحو، لكثرته في كلامهم. وسيبين في بابه".
فإن قلت: من ضربت عبد أمك، أو هذه عبد زينب لم يجز، لأنه ليس منها ولا بها، ولا يجوز أن تلفظ بها و "أنت" تريد العبد.
¥