ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:16 ص]ـ
ما جرى في الاستفهام ..
من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل كما يجري في غيره مجرى الفعل وذلك قولك: أزيداً أنت ضاربه، وأزيدا أنت ضارب له، وأعمراً أنت مكرم أخاه، وأزيدا أنت نازل عليه. كأنك قلت: أنت ضارب، وأنت مكرم، وأنت نازل، كما كان ذلك في الفعل، لأنه يجري مجراه ويعمل في المعرفة كلها والنكرة، مقدماً ومؤخراً، ومظهراً ومضمراً.
وكذلك: آلدار أنت نازل فيها.
وتقول: أعمراً أنت واجد عليه، وأخالدا أنت عالم به، وأزيدا أنت راغب فيه، لأنك لو ألقيت عليه وبه وفيه مما ها هنا لتعتبر، لم يكن ليكون إلا مما ينتصب، كأنه قال: أعبد الله أنت ترغب فيه، وأعبد الله أنت تعلم به، وأعبد الله أنت تجد عليه، فإنما استفهمته عن علمه به ورغبته فيه في حال مسألتك.
ولو قال: آلدار أنت نازل فيها، فجعل نازلاً اسماً رفع، كأنه قال: آلدار أنت رجل فيها.
ولو قال: أزيد أنت ضاربه فجعله بمنزلة قولك: "أزيداً" أنت أخوه جاز. ومثل ذلك في النصب: أزيدا أنت محبوس عليه، وأزيداً أنت مكابر عليه. وإن لم يرد به الفعل وأراد به وجه الاسم رفع.
وكذلك جميع هذا، فمفعول مثل يفعل، وفاعل مثل يفعل.
ومما يجري مجرى فاعل من أسماء الفاعلين فواعل، أجروه مجرى فاعله حيث كانوا جمعوه وكسروه عليه، كما فعلوا ذلك بفاعلين وفاعلات. فمن ذلك قولهم: هن حواج بيت الله. وقال أبو كبير الهذلي: مما حملن به وهن عواقد حبك النطاق فعاش غير مهبل
وقال العجاج: أوالفا مكة من ورق الحمى
وقد جعل بعضهم فعالاً بمنزلة فواعل، فقالوا: قطان مكة، وسكان البلد الحرام، لأنه جمع كفواعل.
وأجروا اسم الفاعل، إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر، مجراه إذا كان على بناء فاعل، لأنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع الفعل، إلا أنه يريد أن يحدث عن المبالغة. فما هو الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى: فعول، وفعال ومفعال، وفعل. وقد جاء: فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير، يجوز فيهن ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير، والإضمار والإظهار. لو قلت: هذا ضروب رؤوس الرجال وسوق الإبل، على: وضروب سوق الإبل جاز، كما تقول: "هذا" ضارب زيد وعمرا، تضمر وضارب عمرا.
ومما جاز فيه مقدماً ومؤخراً على نحو ما جاء في فاعل، قول ذي الرمة: هجوم عليها نفسه غير أنه متى يرم في عينيه بالشبح ينهض
وقال أبو ذؤيب الهذلي: قلى دينه واهتاج للشوق إنها على الشوق إخوان العزاء هيوج
وقال القلاخ: أخا الحرب لباسا إليها جلالها وليس بولاج الخوالف أعقلا
وسمعنا من يقول: "أما العسل فأنا شراب". وقال: بكيت أخا اللأواء يحمد يومه كريم، رؤوس الدارعين ضروب
وقال أبو طالب بن عبد المطلب: ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زاداً فإنك عاقر
وقد جاء في فعل وليس في كثرة ذلك، قال، وهو عمرو بن أحمر: أو مسحل شنج عضادة سمحج بسراته ندب لها وكلوم
وقل: "إنه لمنحار بوائكها".
وفعل أقل من فعيل بكثير.
وأجروه حين بنوه للجمع كما أجرى في الواحد ليكون كفواعل حين أجري مثل فاعل، من ذلك قول طرفة: ثم زادوا أنهم في قومهم غفر ذنبهم غير فجر
ومما جاء على فعل قوله: حذر أمورا لا تخاف وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
ومن هذا الباب قول رؤبة: برأس دماغ رؤوس العز
ومنه قول ساعدة بن جوية: حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طراباً وبات الليل لم ينم
وقال الكميت: شم مهاوين أبدان الجزور مخا ميص العشيات لا خور ولا قزم
ومنه قدير وعليم ورحيم، لأنه يريد المبالغة "في الفعل".
وليس "هذا" بمنزلة قولك حسن وجه الأخ، لأن هذا لا يقلب ولا يضمر، وإنما حده أن يتكلم به في الألف واللام أو نكرة، ولا تعني به أنك أوقعت فعلاً سلف منك إلى أحد.
ولا يحسن أن تفصل بينهما فتقول: هو كريم فيها حسب الأب.
ومما أجري مجرى الفعل من المصادر قول الشاعر: يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم ويخرجن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب
كأنه قال: أندل. وقال المرار الأسدي: أعلاقة أم الوليد بعد ما أفنان رأسك كالثغام المخلس
وقال: بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل
وتقول: أعبد الله أنت رسول له ورسوله، لأنك لا تريد بفعول ههنا ما تريد به في ضروب، لأنك لا تريد أن توقع منه فعلاً عليه، فإنما هو بمنزلة "قولك": أعبد الله أنت عجوز له. وتقول: أعبد الله أنت له عديل وأعبد الله أنت له جليس، لأنك لا تريد به مبالغة في فعل، ولم تقل: مجالس فيكون كفاعل، فإنما هذا اسم بمنزلة قولك: أزيد أنت وصيف له أو غلام له. وكذلك: آلبصرة أنت عليها أمير.
فأما الأصل الأكثر الذي جرى مجرى الفعل في من الأسماء ففاعل. وإنما جاز في التي بنيت للمبالغة لأنها بنيت للفاعل من لفظه والمعنى واحد، وليست بالأبنية التي هي في الأصل أن تجرى مجرى الفعل، يدلك على ذلك أنها قليلة. فإذا لم يكن فيها مبالغة الفعل فإنما هي بمنزلة غلام وعبد، لأن الاسم على فعل يفعل فاعل، وعلى فعل يفعل مفعول. فإذا لم يكن واحد منهما ولا الذي لمبالغة الفاعل لم يكن فيه إلا الرفع.
وتقول: أكل يوم أنت فيه أمير، ترفعه لأنه ليس بفاعل، وقد خرج "كل" من أن يكون ظرفاً، فصار بمنزلة عبد الله ألا ترى أنك إذا قلت: أكل يوم ينطلق فيه، صار كقولك: أزيد يذهب به ولو جاز أن تنصب كل يوم وأنت تريد بالأمير الاسم لقلت: أعبد الله عليه ثوب لأنك تقول: أكل يوم لك ثوب، فيكون نصباً. فإن قلت: أكل يوم لك فيه ثوب فنصبت، وقد جعلته خارجاً من أن يكون ظرفاً، فإنه ينبغي أن تنصب: أعبد الله عليه ثوب. وهذا لا يكون، لأن الظرف هنا لم ينصبه فعل، إنما عليه ظرف للثوب، وكذلك فيه.
¥