ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:17 ص]ـ
الأفعال التي تستعمل وتلغى
فهي ظننت، وحسبت، وخلت، وأريت ورأيت، وزعمت، وما يتصرف من أفعالهن.
فإذا جاءت مستعملة فهي بمنزلة رأيت وضربت وأعطيت في الإعمال والبناء على الأول، في الخبر والاستفهام وفي كل شيء. وذلك قولك: أظن زيداً منطلقاً، وأظن عمراً ذاهباً، وزيداً أظن أخاك، وعمراً زعمت أباك.
وتقول: زيد أظنه ذاهباً. ومن قال: عبد الله ضربته نصب "فقال": عبد الله أظنه ذاهباً.
وتقول: أظن عمراً منطلقاً وبكراً أظنه خارجاً، كما قلت: ضربت زيداً وعمراً كلمه، وإن شئت رفعت على الرفع في هذا.
فإن ألغيت قلت: عبد الله أظن ذاهب، وهذا إخال أخوك، وفيها أرى أبوك. وكلما أردت الإلغاء فالتأخير أقوى. وكل عربي "جيد".
وقال اللعين يهجو العجاج: أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
أنشدناه يونس مرفوعاً عنهم. وإنما كان التأخير أقوى لأنه "إنما" يجيء بالشك بعدما يمضي كلامه على اليقين، أو بعدما ما بتبدئ وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك، كما تقول: عبد الله صاحب ذاك بلغني، وكما قال: من يقول ذاك تدري، فأخر ما لم يعمل فيأوله كلامه. وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعدما مضى كلامه على اليقين، وفيما يدري.
فإذا ابتدأ كلامه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل قدم أو أخر، كما قال: زيداً رأيت، ورأيت زيداً.
وكلما طال الكلام ضعف التأخير إذا أعملت، وذلك قولك: زيداً أخاك أظن، فهذا ضعيف كما يضعف زيداً قائماً ضربت؛ لأن الحد أن يكون الفعل مبتدا إذا عمل.
ومما جاء في الشعر معملاً في زعمت زعمت قول أبي ذؤيب: فإن تزعميني كنت أجل فيكم فإني شربت الحلم بعدك بالجهل
وقال النابغة الجعدي: عددت قشيراً إذ عددت فلم أسأ بذاك ولم أزعمك عن ذاك معزلا
وتقول: أين ترى عبد الله قائماً، وهل ترى زيداً ذاهباً، لأن هل وأين كأنك لم تذكرهما، لأن ما بعدهما ابتداء، كأنك قلت: أترى زيداً ذاهباً، وأتظن عمراً منطلقاً.
فإن قلت: أين، وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة "فيها" إذا استغنى بها الابتداء، قلت: أين ترى زيد، وأين ترى زيداً.
واعلم أن "قلت" إنما وقعت في كلام العرب على أن يحكى بها، وإنما تحكى بعد القول ما كان كلاماً لا قولاً، نحو قلت: زيد منطلق لأنه يحسن أن تقول: زيد منطلق، ولا تدخل "قلت". وما لم يكن هكذا أسقط القول عنه.
وتقول: قال زيد إن عمراً خير الناس. وتصديق ذلك قوله جل ثناؤه: "وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك"، ولولا ذلك لقال: "إن "الله"".
ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:18 ص]ـ
من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعاً
لأنك تبتدئه لتنبه المخاطب، ثم تستفهم بعد ذلك وذلك قولك: زيد كم مرة رأيته، وعبد الله هل لقيته، وعمرو هلا لقيته، وكذلك سائر حروف الاستفهام؛ فالعامل فيه الابتداء، كما أنك لو قلت: أرأيت زيداً هل لقيته، كان علمت هو العامل، فكذلك هذا. فما بعد المبتدأ من هذا الكلام في موضع خبره.
فإن قلت: زيد كم مرة رأيت، فهو ضعيف، إلا أن تدخل الهاء، كما ضعف في قوله: "كله لم أصنع".
ولا يجوز أن تقول: زيداً هل رأيت، إلا أن تردي معنى الهاء مع ضعفه فترفع، لأنك قد فصلت بين المبتدأ وبين الفعل، فصار الاسم مبتدأ والفعل بعد حرف الاستفهام. ولو حسن هذا أو جاز لقلت: "قد علمت زيد كم ضرب، ولقلت: أرأيت زيد كم مرة ضرب على الفعل الآخر. فكما لا تجد بداً من إعمال الفعل "الأول" كذلك لا تجد بداً من إعمال الابتداء، لأنك إنما تجيء بالاستفهام بعدما تفرغ من الابتداء. ولو أرادوا الإعمال لما ابتدءوا بالاسم، ألا ترى أنك تقول: زيد هذا أعمرو ضربه أم بشر، ولا تقول: عمراً أضربت. فكما لا يجوز هذا لا يجوز ذلك. فحرف الاستفهام لا يفصل به بين العامل والمعمول، ثم يكون على حاله إذا جاءت الألف أولاً، وإنما يدخل على الخبر.
ومما لا يكون إلا رفعاً قولك: أأخواك اللذان رأيت؛ لأن رأيت صلة للذين وبه يتم اسماً، فكأنك قلت: أأخواك صاحبانا. ولو كان شيء من هذا ينصب شيئاً في الاستفهام لقلت في الخبر: زيداً الذي رأيت، فنصبت كما تقول: زيداً رأيت.
¥