فإن لم تجزم الآخر نصبت، وذلك قولك: أزيداً إن رأيت تضرب. وأحسنه أن تدخل في رأيت الهاء، لأنه غير مستعمل، فصارت حروف الجزاء في هذا بمنزلة قولك: زيد كم مرة رأيته. فإذا قلت: إن تر زيداً تضرب، فليس إلا هذا، صار بمنزلة قولك: حين ترى زيداً يأتيك، لأنه صار في موضع المضمر حين قلت: زيد حين تضربه يكون كذا وكذا. ولو جاز أن تجعل زيداً مبتدأ على هذا الفعل لقلت: القتال زيداً حين تأتي، تريد القتال حين تأتي زيداً.
وتقول في الخبر وغيره: إن زيداً تره تضرب، تنصب زيداً، لأن الفعل أن يلي إن أولي، كما كان ذلك في حروف الاستفهام، وهي أبعد من الرفع لأنه لا يبنى فيها الاسم على مبتدأ.
وإنما أجازوا تقديم الاسم في إن لأنها أم الجزاء ولا تزول عنه، فصار ذلك فيها كما صار في ألف الاستفهام ما لم يجز في الحروف الأخر.
وقال النمر بن تولب: لا تجزعي إن منفساً أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وإن اضطر شاعر فأجري إذا مجرى إن فجازى بها قال: أزيد إذا تر تضرب، إن جعل تضرب جواباً. وإن رفعها نصب، لأنه لم يجعلها جواباً. وترفع الجواب حين يذهب الجزم من الأول في اللفظ. والاسم ههنا مبتدأ إذا جزمت، نحو قولهم: أيهم يأتك تضرب، إذا جزمت، لأنك جئت بتضرب مجزوماً بعد أن عمل الابتداء في أيهم ولا سبيل له عليه. وكذلك هذا حيث جئت به مجزوماً بعد أن عمل فيه الابتداء. وأما الفعل الأول فصار مع ما قبله بمنزلة حين وسائر الظروف.
وإن قلت: زيد إذا يأتيني أضرب، تريد معنى الهاء ولا تريد زيداً أضرب إذا يأتيني، ولكنك تضع أضرب ههنا مثل أضرب إذا جزمت وإن لم يكن مجزوماً؛ لأن المعنى معنى المجازاة في قولك: أزيد إن يأتك أضرب ولا تريد به أضرب زيداً، فيكون على أول الكلام، كما لم ترد بهذا أول الكلام، رفعت. وكذلك حين، إذا قلت: أزيد حين يأتيك تضرب.
وإنما رفعت الأول في هذا كله لأنك جعلت تضرب وأضرب جواباً، فصار كأنه من صلته إذ كان من تمامه، ولم يرجع إلى الأول. وإنما ترده إلى الأول فيمن قال: إن تأتني آتيك، وهو قبيح وإنما يجوز في الشعر.
وإذا قلت: أزيد إن يأتك تضرب فليس تكون الهاء إلا لزيد، ويكون الفعل الآخر جواباً للأول. ويدلك على أنها لا تكون إلا لزيد أنك لو قلت: أزيد إن تأتك أمة الله تضربها لم يجز، لأنك ابتدأ زيداً ولا بد من خبر، ولا يكون ما بعده خبراً له حتى يكون فيه ضميره.
ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:19 ص]ـ
وإذا قلت: زيداً لم أضرب، أو زيداً لن أضرب، لم يكن فيه إلا النصب، لأنك لم توقع بعد لم ولن شيئاً يجوز لك أن تقدمه قبلهما فيكون على غير حاله بعدهما "كما كان ذلك في الجزاء". ولن أضرب نفي لقوله: سأضرب، كما أن "لا تضرب نفي لقوله: اضرب"، ولم أضرب نفي لضربت.
وتقول: كل رجل يأتيك فاضرب، "نصب" لأن يأتيك ههنا صفة، فكأنك قلت: كل رجل صالح اضرب.
فإن قلت: أيهم جاءك فاضرب، رفعته لأنه جعل جاءك في موضع الخبر، وذلك لأن قوله: فاضرب في موضع الجواب، وأي من حروف المجازاة وكل رجل ليست من حروف المجازاة. ومثله: زيد إن أتاك فاضرب، إلا أن تريد أول الكلام، فتنصب ويكون على حد قولك: زيداً إن أتاك تضرب، وأيهم يأتك تضرب، إذا كان بمنزلة الذي.
وتقول: زيداً إذا أتاك فاضرب. فإن وضعته في موضع زيد عن يأتك تضرب رفعت، فارفع إذا كانت تضرب جواباً ليأتك، وكذلك حين. والنصب في زيد أحسن إذا كانت الهاء يضعف تركها ويقبح.
فأعمله في الأول، وليس هذا في القياس لأنها تكون بمنزلة حين، وإذا وحين لا يكون واحداً منهما خبراً لزيد. ألا ترى أنك لا تقول: زيد حين يأتيني؛ لأن حين لا تكون ظرفاً لزيد.
وتقول: الحر حين تأتيني، فيكون ظرفاً، لما فيه من معنى الفعل. وجميع ظروف الزمان لا تكون ظروفاً للجثث.
فإن قلت: زيداً يوم الجمعة أضرب، لم يكن فيه إلا النصب، لأنه ليس ههنا معنى جزاء، ولا يجوز الرفع إلا على قوله: كله لم أصنع
ألا ترى أنك لو قلت: زيد يوم الجمعة فأنا أضربه لم يكن، "ولو قلت: زيد إذا جاءني فأنا أضربه كان جيداً". فهذا يدلك على أنه يكون على غير قوله زيداً أضرب حين يأتيك.
ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:20 ص]ـ
الأمر والنهي
¥