تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمر والنهي يختار فيهما النصب في الاسم الذي يبنى عليه الفعل ويبنى على الفعل، كما اختير ذلك في باب الاستفهام؛ لأن الأمر والنهي إنما هما للفعل، كما أن حروف الاستفهام بالفعل أولى، وكان الأصل فيها أن يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فهكذا الأمر والنهي، لأنهما لا يقعان إلا بالفعل، مظهراً أو مضمراً.

وهما أقوى في هذا من الاستفهام؛ لأن حروف الاستفهام قد يستفهم بها وليس بعدها إلا الأسماء نحو قولك: أزيد أخوك، ومتى زيد منطلق، وهل عمرو ظريف. والأمر والنهي لا يكونان إلا بفعل، وذلك قولك: زيداً اضربه، وعمراً امرر به، وخالداً اضرب أباه، وزيداً اشتر له ثوباً. ومثل ذلك: أما زيداً فاقتله، وأما عمراً فاشتر له ثوباً، وأما خالداً فلا تشتم أباه، وأما بكراً فلا تمرر به. ومنه: زيداً ليضربه عمرو، وبشراً ليقتل أباه بكر، لأنه أمر للغائب بمنزلة افعل للمخاطب.

وقد يكون في الأمر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم، وذلك قولك: عبد الله اضربه، ابتدأت عبد الله فرفعته بالابتداء، ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه، ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر. ومثل ذلك: أما زيد فاقتله. فإذا قلت: زيد فاضربه، لم يستقم أن تحمله على الابتداء. ألا ترى أنك لو قلت: زيد فمنطلق لم يستقم، فهو دليل على أنه لا يجوز أن يكون مبتدأ. فإن شئت نصبته على شيء هذا تفسيره، كما كان ذلك في الاستفهام، وإن شئت على عليك، كأنك قلت: عليك زيداً فاقتله.

وقد يحسن ويستقيم أن تقول: عبد الله فاضربه، إذا كان مبيناً على مبتدأ مظهر أو مضمر. فأما في المظهر فقولك: هذا زيد فاضربه، وإن شئت لم تظهر "هذا" ويعمل كعمله إذا أظهرته، وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه، كأنك قلت: هذا الهلال، ثم جئت بالأمر.

ومما يدلك على حسن الفاء ههنا أنك لو قلت: هذا زيد فحسن جميل، كان "كلاماً" جيداً. ومن ذلك قول الشاعر: وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا

هكذا سمع من العرب تنشده.

وتقول: هذا الرجل فاضربه، إذا جعلته وصفاً ولم تجعله خبراً. وكذلك: هذا زيد فاضربه، إذا كان معطوفاً على "هذا" أو بدلاً.

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:20 ص]ـ

وتقول: اللذين يأتيانك فاضربهما، تنصبه كما تنصب زيداً، وإن شئت رفعته على أن يكون مبنياً على مظهر أو مضمر. وإن شئت كان مبتدأ، لأنه يستقيم أن تجعل خبره من غير الأفعال بالفاء. ألا ترى أنك لو قلت: الذي يأتيني فله درهم، والذي يأتيني فمكرم محموم، كان حسناً. ولو قلت: زيد فله درهم لم يجز. وإنما جاز ذلك لأن قوله: الذي يأتيني فله درهم، في معنى الجزاء، فدخلت الفاء في خبره كما تدخل في خبر الجزاء.

ومن ذلك قوله عز وجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

ومن ذلك قولهم: كل رجل يأتيك فهو صالح، وكل رجل جاء فله درهمان؛ لأن معنى الحديث الجزاء.

وأما قول عدي بن زيد: أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لأي ذاك تصير

فإنه على أن يكون في الذي يرفع على حالة المنصوب في النصب. يعني أن الذي من سببه مرفوع فترفعه بفعل هذا يفسره، كما كان المنصوب ما هو من سببه ينتصب، فيكون ما سقط على سببيه تفسيره في الذي ينصب على أنه شيء هذا تفسيره. يقول: ترفع "أنت" على فعل مضمر، لأن الذي من سببه مرفوع، وهو الاسم المضمر الذي في انظر.

وقد يجوز "أن يكون" أنت على قوله: أنت الهالك، كما يقال: إذا ذكر إنسان لشيء، قال الناس: زيد. وقال الناس: أنت. ولا يكون على أن تضمر هذا، لأنك لا تشير للمخاطب إلى نفسه ولا تحتاج إلى ذلك وإنما تشير له إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت: هذا أنت، لم يستقم.

ويجوز هذا أيضاً على قولك: شاهداك، أي ما ثبت لك شاهداك. قال الله تعالى جده: "طاعة وقول معروف ". فهو مثله. فإما أن يكون أضمر الاسم وجعل هذا خبره كأنه قال: أمرى طاعة "وقول معروف أو يكون أضمر الخبر فقال: طاعة وقول معروف أمثل.

واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنما قيل: "دعاء" لأنه استعظم أن يقال: أمر أو نهي. وذلك قولك: اللهم زيداً فاغفر ذنبه، وزيداً فأصلح شأنه، وعمراً ليجزه الله خيراً. وتقول: زيداً قطع الله يده، وزيداً أمر الله عليه العيش، لأن "معناه معنى" زيداً ليقطع الله يده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير