فقد ألف خلف الأحمر " مقدمة في النحو " قال في بدايته:" لما رأيت النحويين وأصحاب العربية قد استعملوا التطويل وأكثروا العلل وأغفلوا ما يحتاج إليه المتبلغ في النحو من المختصر ... أمعنت النظر في كتاب أؤلفه وأجمع فيه الأصول والأدوات والعوامل على أصول المبتدئين، ليستغني به المبتدئ عن التطويل (14)
وتطالعنا في كتب التراجم والفهارس عناوين كثيرة تدل على أن القدماء كانوا يدركون بعض مصادر الصعوبة في تعلم النحو، وأن تيسير النحو للناشئة أمر لا مناص منه!
ولذلك بادروا بالتأليف، فقد ألف الكسائي مختصرا في النحو، وألف ابن خياط الموجز في النحو، وألف ابن النحاس التفاحة، وتذكر كتب التراجم والفهارس لابن جني اللمع، ولابن قتيبة تلقين المتعلم، ولابن خالويه المبتدئ، ولابن درستويه الإرشاد في النحو وللمفضل ابن سلمة المدخل إلى النحو، وللزبيدي الواضح في النحو، وللمطرِّزي المصباح، وللشلوبين التوطئة ولأبي الفرج الصقلي مقدمة في النحو ...
وهي مؤلفات يظهر من عناوينها رغبة مؤلفيها في التيسير والإيضاح والإرشاد، كما يطغى عليها الجاني التعليمي!
هذا على المستوى التطبيقي، أما على المستوى النظري، فقد وجدت أيضا حركة إصلاح يمكن تلمس خيوطها عند نحاة كبار من أمثال ابن حزم، وابن مضاء، وابن رشد، وابن الأثير، وابن خلدون
فقد كان ابن حزم يرى أن التعمق في النحو فضول لا منفعة فيه، بل مشغلة عن الأوكد، ومقطعة عن الأوجب (15)
وألف ابن مضاء كتابه " الرد على النحاة " الذي قال في مقدمته:" قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه " وانتقد نظرية العامل ووصفها بأنها باطل عقلا وشرعا ولا يقول بها أحد من العقلاء (16)
كما ألف ابن رشد " الضروري في صناعة النحو " وجعل غرضه من الكتاب أن يذكر" من علم النحو ما هو كالضروري لمن أراد أن يتكلم على عادة العرب في كلامهم، ويتحرى في ذلك ما هو أقرب إلى الأمر الصناعي، وأسهل تعليما، وأشد تحصيلا للمعاني (17) وقد أشار في كتابه إلى التداخل بين الموضوعات والمستويات في كتب النحو العربي، وهو تقصير يرجع سببه - كما يرى - إلى أن النحاة " لم يستعملوا في إحصاء أنواع الإعراب القسمة الصحيحة التي لا يعرض فيها تداخل ... (18)
كما ذهب ابن الأثير إلى أن واضع النحو جعل الوضع عاما " فإذا نظرنا إلى أقسامه المدونة وجدنا أكثرها غيرَ محتاج إليه في إفهام المعاني (19)
وكان الجاحظ قبل هؤلاء يوصي المعلم بأن يترفق بالصبيان في تعليم النحو " أما النحو فلا تشغل قلب الصبي منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن ... وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به ... " إلى أن قال:" وعويص النحو لا يجري في المعاملات ولا يضطر إليه شيء (20)
والجدير بالذكر هنا، أن علماء النحو القدماء - رغم ما ذكر - لم يدركوا من هذه الصعوبات إلا القليل، لقربهم من عصور السلامة، وقدرتهم على تحصيل الملكة " وحتى تلك العيوب المحدودة لم تنل منهم اهتماما كافيا، فقد عالجوها فرادى، من غير أن يعرض لها إمام بالتجميع والحصر ووصف العلاج ... على كثرة الأئمة الباحثين، وفيض الكتب والرسائل التي تتصدى للنحو وقضاياه (21)
لكن في العصر الحديث، ومع مطلع القرن العشرين تحديدا، ومع ظهور الاهتمامات اللغوية المتأثرة بالنظريات اللغوية والنحوية الحديثة، و بالمناهج الوصفية والمقارنة والتقابلية ... كل ذلك ساعد على فهم طبيعة النحو ووظيفته، وأسهم في اكتشاف بعض عيوب النحو وصعوباته على مستوى أعمق وأكثر موضوعية.
ولعل من أقدم المحاولات لإصلاح النحو محاولة رفاعة الطهطاوي 1873 م صاحب كتاب " التحفة المكتبية في تقريب اللغة العربية " ثم حفني ناصف في " قواعد اللغة العربية "، ومحاولة علي الجارم ومصطفى أمين في " النحو الواضح " ثم تتالت المحاولات مع إبراهيم مصطفى، وحسن الشريف، وأمين الخولي، ويعقوب عبد النبي، وشوقي ضيف، وعبد المتعال الصعيدي، وأحمد برانق فضلا عن محاولات وزارة التربية المصرية، وقرارت المجامع اللغوية (22)
ـ[المكي]ــــــــ[19 - 01 - 2006, 04:35 م]ـ
(2)
- مضامين التجديد:
¥