تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والوجه الذي ذكره أبو البقاء، رحمه الله، يؤدي نفس الغرض، فمعناه: مداولة الأيام بين الناس ليعلم الله الذين آمنوا، فتكون اللام هنا متعلقة بـ: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وهي هنا، أيضا، متعلقة بمتأخر، ولكنه مذكور، فما بعدها، أيضا، علة لما قبلها، ووجه كونه مؤديا لنفس الغرض، أن ما قدره أبو حيان، رحمه الله، هو، تقريبا، نفس المعنى المذكور في الآية، فمداولة الأيام بين الناس، هي فعل الله، عز وجل، الذي قدره أبو حيان، إذ كانت الدولة لمشركي قريش يوم أحد بعد أن كانت للمسلمين يوم بدر، وعليه، يبدو، والله أعلم، أن قول أبي البقاء، قد يكون هو الأرجح، لعدم الحاجة إلى تقدير محذوف، لأن الأصل: عدم الحذف، فلا يصار إليه إلا مع تعذر استقامة السياق بدونه.

وقد وافقت، ابن هشام، رحمه الله، في الملاحظة الثالثة، إذ هو لهج بها في كتبه، فهو يرى دوما، مثلما قلت، أن الأصل أن ينظر في المحذوف المقدر فإن كان مذكورا في سياق مماثل، قدر في السياق الأول تبعا للثاني، ويحضرني في هذه اللحظة، ما قاله في قوله تعالى: (أين شركاءي الذين كنتم تزعمون)، إذ قدر البعض مفعولي "تزعمون" بـ: تزعمونهم شركاء، فـ "هم": المفعول الأول، و "شركاء": المفعول الثاني، ولكنه استدرك عليهم قائلا: والأحسن عندي أن يقدر: أنهم شركاء، وتكون "أن" وصلتها سادة مسدهما، بدليل ذكر ذلك في قوله تعالى: (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء)، فجملة: "أنهم فيكم شركاء": سدت مسد مفعولي "زعمتم".

الشاهد أنه استخدم هذا النهج في عدة مواضع، حتى يكاد يكون أصلا عنده، وهو أصل جدير بالتأمل، وله نظائر في كلامه، كما تقدم، تصلح للجمع والترتيب بعد استقراء كلام الشيخ، رحمه الله، لأن فيها فوائد غزيرة.

وكما قلت: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين)، فيكون المحذوف "بإذن الله"، ولكن أليس من الأنسب أن يكون المحذوف هو المفهوم من قوله تعالى: (وما أصابكم ............ )، فيكون تقدير الكلام على سبيل المثال: أصبناكم يوم التقى الجمعان بإذننا الكوني القدري ليعلم الله الذين آمنوا؟

وما فهمته من كلام ابن عاشور، رحمه الله، أن ما بعد جواب الشرط الذي قدره بـ "فلا تحزنوا أو فلا تهنوا"، هو علة لعدم الحزن، فتكون جمل:

(فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)

و (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)

و (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)

و (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)، كلها علل لعدم الحزن لأنها حكم جليلة إذا عرفها الإنسان زال عنه الوهن والحزن، فيكون ذلك من باب توارد أكثر من علة على معلول واحد، فما الرأي في هذا التوجيه؟

والله أعلى وأعلم.

وأخيرا: جزاك الله خيرا على هذه الإضافات القيمة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير