تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دونه؟!، فهم لا يملكون بل لا يقدرون على ذلك ابتداء، فتلك، من باب: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، تلك من المآثر القليلة والمكاسب الضئيلة التي حققتها العلمانية، وهو ما فتن كثيرا من أبناء الشرق المسلم، حتى ظنوا أن النجاة كل النجاة في ليبرالية الغرب المطلقة، فالحريات الخاصة للأوروبي قد أسالت لعاب الشرقي المحروم من تناولها، لا سيما في العقود الأخيرة، عقود الذل والمهانة، التي غيب فيها التصور الإسلامي المانح للحريات العامة والخاصة، المرشد لها فقيد الشرع حاكم لكل من خرج عن أحكام النبوات التي لا صلاح للنوع الإنساني إلا بامتثالها، بخلاف إطلاق الحريات جزافا كرد فعل للقهر الكامل، كما قد جرى في أوروبا لما ثارت الجماهير على مؤسسة الحكم الإقطاعية، ومؤسسة الدين الإقطاعية أيضا!، فقضت على نفوذهما، بشعارات فضفاضة من قبيل: الحرية والإخاء والمساواة، صارت بعد ذلك ذريعة إلى إفساد أوروبا، بعد اختراق منظومة القيم، وإن كانت صادرة عن دين محرف، ولكنها تكتسب تعظيما في النفوس التي تباشرها على جهة الديانة لا العادة، فانهار كل ذلك أمام سيل الحريات المطلقة التي وصلت إلى ذروة الإلحاد والانحلال، فلكل أن يعتقد ما يشاء، ولكل أن يفعل ما يشاء، وتلك، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، هي صورة الليبرالية الاجتماعية التي يروج لها في العالم الإسلامي لإفساد أديان وأخلاق المسلمين، دون أن يروج، ولو من باب أخذ البضاعة الفكرية الغربية كاملة، لليبرالية السياسية التي تحفظ إلى حد ما كرامة الإنسان، فتلك لا تروق لحكومات الجور المعاصرة، فترضى أن تفسد الأديان والأخلاق، ولا تتأثر السياسات بأي إصلاح، ولو جزئي، فإن الحل الغربي، عند تأمله، حل قليل المنافع كثير المفاسد، وإن بدا أنه حل نموذجي، فذلك صحيح بالنظر إلى عاملين:

الأول: ما تقدم من المقارنة بين الصورة القاتمة لحقوق البشر المنتهكة معنويا وجسديا في العالم الإسلامي في مقابل حريات مكفولة للفرد في الغرب، تصل، كما تقدم، إلى درجة الإلحاد والانحلال!.

والثاني: أن التجربة ناجحة بالفعل في الغرب الذي عاني من تسلط ساسة الإقطاع ورجال الكنيسة، فكان ما بعد الثورة العلمانية بالمقارنة مع ما قبلها أفضل كثيرا، من جهة الحريات التي لم تكن معروفة أصلا في أوروبا، فكان من دون الإقطاعيين ورجال الدين عبيدا إما للأرض وإما للسيد صاحب السلطان في إقطاعيته، فيثيب ويعاقب، ولا رقيب عليه من دين، فالمؤسسة الدينية متواطئة معه، بل مشاركة في الجرم، ولا رقيب من سلطان، فالسلطان هو رأس هذا الفساد الذي قضت عليه الثورة العلمانية الهوجاء التي أطاحت بالرموز القديمة، وجاءت برموز جديدة في عصر الرأسمالية من قبيل: الديمقراطية ..... إلخ، ولم تتغير الصورة العامة كثيرا، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، فلا زال أصحاب المصالح العليا مهيمنين بقدر الرب جل وعلا الكوني النافذ على مجريات الأمور، وإن بدا في الظاهر أن الكلمة الأولى للشعب الذي ينتخب، ولكن المكسب الأبرز، وهو الفتنة الأعظم للمسلمين في زماننا، لا سيما مع غياب الإسلام من هذه المعادلة، أو تغييبه قهرا بمعنى أصح، الفتنة الأعظم هي الحريات العامة والخاصة المطلقة التي نالها الغربي ودفع ثمنها من دمائه، وبهذه الحريات يتسلل العلمانيون في بلادنا إلى قلوب بشر قد أصاب القهر والذل نفوسهم وآدميتهم في مقتل، فيلوحون بهذه الحريات فلا سبيل إلى رفع المعاناة إلا باستيراد الحل الغربي كاملا، والغريق يتعلق بأي طوق يلقى إليه، ولو أدى ذلك إلى إغراقه في لجة أعظم، فحريات الغرب، كما تقدم، قد أدت على المدى البعيد إلى مفاسد أعظم، فلا زال الأوروبي مضطربا قلقا، مع كل ما حققه من حريات، ومع كل ما اكتشفه من تقنيات، فلم يكن ذلك برسم دين صحيح، بل كان مكسبا انتزعه انتزاعا من دين محرف، فترسخ في ذهنه العداء بين الدين والحرية، بين الدين والعلم، بين الدين والحياة!، فلا حياة هائنة إلا إذا غاب سلطان الدين الذي يمثل في وجدانه: تسلط الكنيسة، وأبناء الشرق المسلم، كما تقدم، مفتونون: إسلام مغيب، فيه وحده دون غيره، تحقيق المعادلة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير