تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وممن ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: " وأما ما ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاضاً على يده وأمثاله ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذباً على الأنبياء وقدحاً فيهم وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله, لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفاً واحداً."

الوجه الثالث في معنى الهمّ / أن يوسف هَمّ بضربها حين رأى منها الهَمّ بالفحشاء فصرف الله عنه السوء وهو ضربه للمرأة, وصرف عنه الفاحشة التي أردتها منه المرأة

وهذا القول كما يظهر فيه تكلف في التوجيه وتعسف في تقدير المعنى

القول الثاني

أن جواب لولا مقدم عليه وهو قوله {هَمّ بها} أو أن هذه الجملة المتقدمة دليل على الجواب المحذوف فتكون جوابا بالمعنى

وعليه قال غير واحد من المفسرين: إن يوسف عليه السلام لم يحصل منه هَمٌّ أصلا. وبيان ذلك أن قوله تعالى {وهَمّ بها} جواب مقدم لقوله تعالى {لولا أن رأى برهان ربه} والمعنى لولا أنه رأى برهان ربه هَمّ بها كما هَمّت به فالهَمّ منفي لوجود البرهان

إلا أن الزجاج رد هذا التوجيه فقال: "ولو كان الكلام (ولهَمّ بها لولا أن رأى بران ربه) لكان بعيدا فكيف مع سقوط اللام"

يريد أن جواب (لولا) لا يكون متقدما عليها حتى لو كان متصلا بلام الجواب فكيف إذا لم يكن متصلا بها

والصحيح أنه ليس هناك ما يمنع تقدم جواب (لولا) عليها فأدوات الشرط الصريحة العاملة قد أجاز بعض علماء النحو تقدم جوابها عليها. ثم إنه على أقل تقدير فإننا إذا قلنا بامتناع تقدم الجواب في هذه الحال فلنا أن نقول: إن هذه الجملةَ المتقدمةَ جوابٌ في المعنى ودليلٌ على الجواب المحذوف, كقولهم: أنت ظالم إن فعلت. أي إن فعلت فأنت ظالم. " ولا يدل قوله: أنت ظالم, على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل. وكذلك هنا التقدير, لولا أن رأى برهان ربه لهَمّ بها، فكان مُوجِداً لهَمّ على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفي الهَمّ."

وقول الزجاج "ولو كان الكلام (ولهَمّ بها لولا إن رأى برهان ربه) لكان بعيدا فكيف مع سقوط اللام". فيقال إن هذه اللام غير لازمة في جواب لولا إذا كان فعلاً ماضيا. ولذلك تقول: لولا زيد لأكرمتك ويصح أن تقول: لولا زيد أكرمتك. وإذا كان الأمر كذلك فلا ضيرَ إذا قدّمنا الجواب أن يكون مجردا من اللام كما صح أن يكون كذلك إذا لم يقدم.

ولقد جاء في القرآن تقديم جواب (لولا) عليها كما في قوله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: 10]

قال الطاهر بن عاشور " وجملة {وهَمّ بها لولا أن رأى برهان ربه} معطوفة على جملة {ولقد هَمّت به} كلها. وليست معطوفة على جملة {هَمّت} التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام، لأنه لما أردفت جملة (وهمّ بها) بجملة شرط (لولا) المتمحض لكونه من أحوال يوسف عليه السّلام وحْده لا من أحوال امرأة العزيز, تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به. ولم يقرن الجواب باللاّم التي يكثر اقتران جواب (لولا) (بها لأنه ليس لازماً ولأنه لمّا قُدِّم على (لولا) كُره قرنه باللام قبل ذكر حرف الشرط، فيحسن الوقف على قوله: {ولقد هَمّت به} ليظهر معنى الابتداء بجملة {وهَمّ بها} واضحاً. وبذلك يظهر أن يوسف عليه السّلام لم يخالطه هَمّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهَمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.

قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: {ولقد هَمّت به وهَمّ بها} الآية قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط، كأنه قال: ولقد هَمّت به ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها."

قال الفخر الرازي في "تفسيره": قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات:

أولها: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} واللام للتأكيد والمبالغة.

والثاني: قوله: {وَالْفَحْشَاءَ}، أي: وكذلك لنصرف عنه الفحشاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير