أرشيف منتدى الفصيح - 1

وقد كان لي سؤال مشابه قبل سنين طويلة وأنا في المرحلة المتوسطة بحضرة جدي رحمه الله، وقد كان سؤالي كيف يتصرف هؤلاء بهذه الطريقة وهم ليسوا رجالا فقط، وإنما آباء أيضا؟

فكان رده رحمه الله لو كان الرجال بالشكل بغض النظر عن الأشباه لما قرأت في كتاب الله أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ? إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ? بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ?44? سورة الفرقان

وإن كان ما يميزهم أنهم آباء وعلى إثر ذلك فهم أسوياء وذوق وقمة في الرقي فقد أخطأت، إذ حتى البغال والحمير تجد منها آباء وأمهات ..

وقد علل الأخ الكريم السراج ذلك لما لطبيعة النفس البشرية عند البعض من أنها ملولة، وافتقارها كذلك إلى الحلم والأناة، وهذا ما أختلف معه كليا، فبإمكاننا أن نختلف مع الآخرين ونبلغ أقصى مراتب الغضب، لكن بوسعنا أن نتمالك أنفسنا عن إيذا أحد ولو بكلمة، ونتصرف بطريقة سوية، لا تخطئ في حق الآخرين، وقبلها لا نخطئ في حق أنفسنا كبشر بين فئتين بوسعنا أن نعلو على من هم في مرتبة أعلى منا وهم الملائكة، كما أنه بالإمكان أن ندنو بأنفسنا إلى مرتبة هي أدنى من مرتبة الحيوان ..

لذلك لابد من التعامل وبأسلوب راق وبعيد عن أي محاولة للتقليل من الآخرين بأي شكل، إذ كل كلمة سيئة هي في الأصل قذف في ذواتنا قبل أن تمس الآخرين.

وليس أجمل مما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحر الخير يُعْطَه، ومَن يتقِّ الشرَّ يُوقَه" رواه الدار قطني في ” الأفراد ” وهو حديث حسن، كذا قال الألباني في ” صحيح الجامع ” (2328) وقد جربت هذا فوجدتني بالمحاولة والمران حصلت على بعض ما كنت أظنه صعب المنال ..

لأجد أن حديثا آخر للنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم أتمكن من التأكد من صحته، - وهذا تكملة لقول جدي رحمه الله والذي كنت أستغرب لحلمه الشديد ومن ثم الحديث الذي كنت أظنه ضربا من المستحيل - اصنع المعروف مع أهله وغير أهله، فإن صادف أهله فهو في أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله".

ولا أجَلَّ من معروف يسديه المرء إلى نفسه بإكرام الآخرين من منطلق إكرامه لنفسه، ومن ثم شكرا وحمدا لخالقه على ما أنعم عليه من علم بأن ذلك مدخر له إن لم يكن في دنياه فهو لآخرته.

لا حرمنا الله وإياكم جميعا الأجر والمثوبة، وجعلنا من الأنقياء الأتقياء.