من بايع على هذا. من أمضى عقد الصفقة. من ارتضى الثمن ووفى. فهو المؤمن. . فالمؤمنون هم الذين اشترى اللّه منهم فباعوا. . ومن رحمة اللّه أن جعل للصفقة ثمنا , وإلا فهو واهب الأنفس والأموال , وهو مالك الأنفس والأموال. ولكنه كرم هذا الإنسان فجعله مريداً ; وكرمه فجعل له أن يعقد العقود ويمضيها - حتى مع اللّه - وكرمه فقيده بعقوده وعهوده ; وجعل وفاءه بها مقياس إنسانيته الكريمة ; ونقضه لها هو مقياس ارتكاسه إلى عالم البهيمة:. . شر البهيمة. . (إن شر الدواب عند اللّه الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون). . كما جعل مناط الحساب والجزاء هو النقض أو الوفاء.
وإنها لبيعة رهيبة - بلا شك - ولكنها في عنق كل مؤمن - قادر عليها - لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه. ومن هنا تلك الرهبة التي أستشعرها اللحظة وأنا أخط هذه الكلمات:
(إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون). .
عونك اللهم! فإن العقد رهيب. . وهؤلاء الذين يزعمون أنفسهم "مسلمين" في مشارق الأرض ومغاربها , قاعدون , لا يجاهدون لتقرير ألوهية اللّه في الأرض , وطرد الطواغيت الغاصبة لحقوق الربوبية وخصائصها في حياة العباد. ولا يقتلون. ولا يقتلون. ولا يجاهدون جهاداً ما دون القتل والقتال!
ولقد كانت هذه الكلمات تطرق قلوب مستمعيها الأولين - على عهد رسول اللّه -[ص]- فتتحول من فورها في القلوب المؤمنة إلى واقع من واقع حياتهم ; ولم تكن مجرد معان يتملونها بأذهانهم , أو يحسونها مجردة في مشاعرهم. كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها. لتحويلها إلى حركة منظورة , لا إلى صورة متأملة. . هكذا أدركها عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية. قال محمد بن كعب القرظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة رضي اللّه عنه , لرسول اللّه -[ص]-[يعني ليلة العقبة]-:اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال:" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ; وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ". قال: فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك ? قال:
"الجنة " ". قالوا: ربح البيع , ولا نقيل ولا نستقيل. .
هكذا. . " ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل ". . لقد أخذوها صفقة ماضية نافذة بين متبايعين ; انتهى أمرها , وأمضي عقدها , ولم يعد إلى مرد من سبيل:" لا نقيل ولا نستقيل " فالصفقة ماضية لا رجعة فيها ولا خيار ; والجنة: ثمن مقبوض لا موعود! أليس الوعد من اللّه ? أليس اللّه هو المشتري ? أليس هو الذي وعد الثمن. وعداً قديماً في كل كتبه:
(وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن). .
(ومن أوفى بعهده من اللّه ?).
أجل! ومن أوفى بعهده من اللّه ?
إن الجهاد في سبيل اللّه بيعة معقودة بعنق كل مؤمن. . كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل ومنذ كان دين اللّه. . إنها السنة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها: (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض). . (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً). .
إن الحق لا بد أن ينطلق في طريقه. ولا بد أن يقف له الباطل في الطريق!. . بل لا بد أن يأخذ عليه الطريق. . إن دين اللّه لا بد أن ينطلق لتحرير البشر من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية للّه وحده. ولا بد أن يقف له الطاغوت في الطريق. . بل لا بد أن يقطع عليه الطريق. . ولا بد لدين الله أن ينطلق في "الأرض" كلها لتحرير "الإنسان" كله. ولا بد للحق أن يمضي في طريقه ولا ينثني عنه ليدع للباطل طريقاً!. . وما دام في "الأرض" كفر. وما دام في "الأرض" باطل. وما دامت في "الأرض" عبودية لغير اللّه تذل كرامة "الإنسان" فالجهاد في سبيل اللّه ماض , والبيعة في عنق كل مؤمن تطالبه بالوفاء. وإلا فليس بالإيمان: و " من مات ولم يغز , ولم يحدث نفسه بغزو , مات على شعبة من النفاق ". . . [رواه الإمام أحمد , وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي].
منقول
نقل موفق جزاك الله خيرا همبريالى
ـ[معاذ بن ابراهيم]ــــــــ[23 - 08 - 2010, 03:30 ص]ـ
آية الجزء الثانى عشر
¥