ومعنى كونِ أسماءِ الله حسنى، أي: أنها بالغةٌ في الحسنِ غايتَه، لا يتطرق إليها أيُّ نقصٍ بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً.
قال الإمامُ ابنُ القيمِ - رحمه الله - تعالى-: " ... وهكذا أسماؤُه الدالةُ على صفاتِه، هي أحسنُ الأسماءِ وأكملُها، فليس في الأسماءِ أحسنُ منها، ولا يقوم غَيرُها مقامَها، ولا يؤدِّي معناها".
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - تعالى-: "ولما كانت حاجةُ النفوسِ إلى معرفةِ ربِّها أعظمَ الحاجاتِ، كانت طرقُ معرفتِهم لله أعظمَ من طرقِ معرفةِ ما سواه، وكان ذكرُهم لأسمائِه أعظمَ من ذكرهم لأسماءِ ما سواه ... ".
ولما كان للإيمانِ حلاوةٌ وثمرةٌ يجدها العبدُ في قلبِه وجوارحِه كانت آثارُ الإيمانِ بأسماءِ اللهِ - تعالى- الحسنى من أعظمِ الثمراتِ؛ لتعلقِها بأصولِ الدينِ وفروعِهِ، فمن ثمراتِ الإيمانِ بأسماءِ اللهِ الحسنى: أنها من أعظمِ الطرقِ وأوضحِها إلى معرفةِ الربِ- تبارك وتعالى-، ومعرفةِ كمالِ صفاتِه.
ومن ثمراتِ الإيمانِ بأسماءِ اللهِ - تعالى -: زيادةُ محبةِ اللهِ - تعالى -والتقربِ إليه، قال الإمامُ ابنُ القيمِ - رحمه الله تعالى -، عند ذكرِ الأسبابِ الموجبةِ لمحبةِ اللهِ - تعالى -: "ومنها: مطالعةُ القلبِ لأسمائِه وصفاتِه، ومشاهدتِها ومعرفتِها، وتقلُّبُه في رياضِ هذه المعرفةِ ومباديها، فمن عرفَ اللهَ بأسمائِه وأفعالِه، أحبه لا محالة".
ومن ثمراتِ العلمِ بأسماء الله - تعالى -: زيادةُ عبوديةِ العبدِ، وزيادةُ تنوعِ التعبد لله - تعالى -، بمناجاتِه والتوسلِ إليه بما يعلم من أسمائِه الحسنى، قال الإمامُ ابنُ القيمِ - رحمه الله - تعالى-: "والأسماءُ الحسنى والصفاتُ العلى مقتضيةٌ لآثارِها من العبوديةِ والأمر، اقتضاءَها لآثارِها من الخلقِ والتكوين، فلكلِ صفةٍ عبوديةٌ خاصةٌ، هي من موجباتِها ومقتضياتِها ... ".
ومن أسماءِ الله - تعالى -الحسنى: البصير، كما قال - تعالى-: (وهو السميع البصير)، (واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير)، (والله بصير بما يعملون)، (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير)، (الذي يراك حين تقوم وتقلبَك في الساجدين) فبصرُ اللهِ - تعالى -لا حد له، لا تخفى عليه خافية، يراك على كل حال في أي مكان وأي زمان، جاء رجلٌ إلى بعضِ السلفِ فقال: "أريد أن أعصي الله دون أن يؤاخِذَني، فقال له: إن استَطعتَ أن تُغيّب شخصَك عن بصره كان لك ذلك".
فيا عبد الله إذا دعتك نفسُك لمعصيةِ ما، أيقن أن الله - تعالى- لا يخفى عليه شيءٌ من أمرِك، وأنَّ سرَك وجهرَك عنده سواء، يا عبد الله إذا دعتك نفسُك إلى ارتكاب معصيةٍ، ثم طاوعت نفسَك في أمرها لك بالسوء، فلما أردت الإقدامَ على تلك المعصية رأيت رجلاً تهاب وقارَه وتقدر شخصَه وتستحي أن يراك على تلك الهيئةِ من معصيةِ اللهِ - تعالى-، فكيف يكون شأنُك مع ارتكاب المعصية؟ أتقدمُ عليها دون اعتبارٍ بحالِ من ينظرُ إليك؟ كلا! إن واقعَ الحالِ وبداهةَ العقلِ وحضورَ المروءة تأبى عليك التقدمَ نحو المعصيةِ فضلاً عن الإقدامِ عليها. فيا عبد الله إذا كان هذا شأنَك فيمن نظر إليك مرة، فكيف بمن لا تخفى عليه من أمرك خافية ولا تغيب عنه لحظة؟.
ومن أسماء الله - تعالى-: "الحكيم" كما قال - تعالى -: (وهو الحكيم العليم)، (وهو العزيز الحكيم)، (هو الحكيم الخبير)، (فاعلموا أن الله عزيز حكيم)، (إن ربك حكيم عليم)، (وكان الله واسعاً حكيماً)، (وأن الله تواب حكيم)، (وكان الله عليماً حكيماً).
والحكيم هو الذي يضعُ الأمورَ مواضِعَها وحكمةُ اللهِ - تعالى- بالغةٌ كاملةٌ، فلم يأمرْ إلا لحكمة، ولم ينه إلا لحكمة، ولم يخلق إلا لحكمة، فأفعالُ اللهِ - تعالى -وأقوالُه لا تكون إلا لحكمةٍ بالغة كما قال - تعالى -: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).
تأمل تركيبَ بدنِك، وتقاطيعَ مفاصِلِك، تأمل في كيفية خَلْقِ الأذنين والعينين، تأمل في مواضعِ نبات الشعر، تأمل في كيفيةِ الأصابعِ وخلقِ الأظافرِ، تأمل في تجويف الفم وترتيب الأضراس، فلا إله إلا الله ما أعظم حكمتَه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، (الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك)، (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، (تبارك الله أحسن الخالقين).
¥