تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.

وهذا يجعلنا نجدد في أنفسنا فقه الاختلاف مع الغير، ويعلمنا كيف نتعاون مع بعضنا البعض مع اختلاف في وجهة النظر القابلة للاجتهاد، وبه نعرف أن من خالف في الاجتهاد لا يعود ذلك على منزلته التي يستحقها شرعا بالإحباط والإبطال، وفي كثير من الأحاديث كان الصحابة يقولون: ولم يعب الصائم منا على المفطر، ولا المفطر على الصائم، وقالوا: ولم يعب الملبي على المكبر و المكبر على الملبي.

ومن تأمل كثيراً من تنازع أفراد الأمة وجده يعود إلى أشياء لم تجعل لها الشريعة ميزانا في الاختلاف، أو أن الأمر فيها واسع شرعاً.

المسألة الرابعة والعشرون:

صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل".

فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.

وما أحوجنا اليوم إلى محاسبة أنفسنا في عمل القلب الهام وهو: الاستجابة لله ولرسوله، ونحن في زمن كثر الكلام على الإقناع والجدال وتأصيل الحوار، إلا أن هذا لا يمنع المسلم أبداً من سرعة الاستجابة لأمر الله، وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب أمثلة عليا، ومن ذلك:

حادثة تحويل القبلة، وحادثة تحريم الخمر، وحادثة فرض الحجاب، ولئن كانت الأولى حادثة دينية إلا أن الخمر والحجاب حادثة اجتماعية، ومع ذلك لم يتردد الصحابة الكرام في سرعة الاستجابة.

وكان السؤال الذي يفرضه الصحابة بينهم هو: هل ورد الأمر به أم لا؟

بينما عند البعض اليوم يكون السؤال: لماذا ورد الأمر به؟

المسألة الخامسة والعشرون:

كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "فكنا نصومه ونصوم صبياننا" متفق عليه.

وبهذا نعلم أهمية تربية النشء على التعاليم الدينية حتى يعتادها، وما أن يبلغ الطفل إلا وقد تربى على الصيام فيضرب في حال بلوغه أروع الأمثلة في الرسوخ في هذا الباب.

المسألة السادسة والعشرون:

في تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله.

المسألة السابعة والعشرون:

التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة _رضي الله عنهم_ يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ _رضي الله عنها_: "فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه.

وليس من الغرابة أن نقول بأنهم غير مكلفين ولا مأمورين بالأوامر الشريعة، لأن تعويدهم هنا لم يكن مقصوداً لذاته وإنما لترسيخ مفهوم الصبر حتى عند الوالدين ما دام الأمر يتعلق بالدين، فليس من الهين على قلب الوالد أن يرى ابنه يتضور جوعاً ويبكي ثم يسكت، بل انتقل الحال إلى أن الأب نفسه يمارس على ابنه عملية التصبر، مما يجعل مفهوم الصبر راسخا عند الابن الصغير، وعند الأب في عاطفته.

المسألة الثامنة والعشرون:

يوم عاشوراء دليل على قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا، ويدل لذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى.

المسألة التاسعة والعشرون:

نحن أحق بموسى عليه السلام من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه:

1 - أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره، بخلاف من كذبه من قومه.

2 - أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا، بل لا يختلف عنه شيئاً من هذه الجهة.

3 - أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة.

4 - أننا لا نؤذيه عليه السلام بسب أو قدح، بخلاف من قال موسى آدر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا" (الأحزاب: من الآية69).

5 - أننا نشهد أنه لو كان حياً زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

6 - أننا نؤمن بما جاء به عليه السلام في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع عليه.

7 - أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام منه براء.

8 - أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء به موسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي" متفق عليه.

المسألة الثلاثون:

من تأمل فرض صوم عاشوراء ثم نسخه عرف أن الشريعة الإسلامية تقرر البدائل حتى في فرائضها، فتأمر بشيء فإذا نسخته أوجدت بديلاً عنه، وهذا مصداق قوله تعالى {ما ننسخ من آية أو أختها نأت بخير منها أو مثلها}.

وما أحوجنا اليوم إلى تعلم علم البدائل في حياتنا اليومية، خاصة وأن أزمة كثير من الأمور ليست بأيدي الأمة المسلمة، ولهذا يفرض عليها في كثير من الأحيان ما لا ترضاه، أو ما يخالف دينها، وأما ما يخالف عادتها فأكثر من أن يذكر.

هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا بحفظه، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله وأن ينفع بها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير