تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما هو مقصد الشارع من حدِّ القذف؟

ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[02 - 07 - 10, 12:35 ص]ـ

هذا جزء من بحث سأقوم بإنزاله قريبًا - إن شاء الله - وأنتظر آراءكم:

القاعدة الرابعة: بيان مقصد الشارع من حدِّ القذف.

فإنَّ الله – سبحانه وتعالى – عندما شَرَعَ الشرائع وحدَّ الحدود إنما كان هذا من خلال مراعاته – سبحانه وتعالى – لأسرار وحِكَم ومعاني وغايات يَحصُلُ من خلالها تحقيق ما فيه خير وصلاح للعباد.

والمقصد الأساسي في تشريع حدِّ القذف بخصوصه هو: حفظ الأنساب من الطعن والتشكيك، ويدل على أنَّ هذا هو المقصد الأساسي ما يلي:

1 – أنَّ من ادعى على آخر بعمل كلِّ شيءٍ إلا الجماع (الزنا)، فإنَّ الواجبَ في حَقِّهِ التعزيرُ دونَ حَدِّ القذف في قول جمهور أهل العلم؛ فلو كان هناك مقصد آخر غير حفظ الأنساب من الطعن والتشكيك لوجب حدُّ القذف في الرمي بالمفاخذة والخوة ونحوها.

2 – أنَّ مَنْ نَفَى نَسَبَ شخصٍ يقامُ عليه حدُّ القذف؛ وهذا يدلُّ على أنَّ حفظ النسب هو المقصد من تشريع حدِّ القذف.

3 – أنَّ الفقهاء اشترطوا شروطًا في المقذوف منها كونُهُ بالغًا معلومًا سليم الآلة الجنسية ونحوها مما يدل على أنَّ المقصد هو حفظ الأنساب؛ فلو كانَ المقذوف صبيًا أو غير معلوم أو مجبوبًا أو نحو ذلك لم يَجب الحد [1].

4 – أنَّ القاذف إذا استطاع أنْ يثبتَ صحةَ كلامِهِ بشهادةِ شهودٍ أو إقرار المقذوف فلا حدَّ عليه.

5 – أنَّ الزوجَ إذا قَذَفَ امرأتَهُ – وهو مِنْ أشدِّ الناس تضررًا بزنا امرأتِهِ – ولم يستطع إثباتَ ذلك؛ يَدرأُ عنه الحد لِعانُهُ.

وهذه الأمور الثلاثة الأخيرة تدلُّ على أنَّ القذف ليس متعلقًا بمطلق العرض، ولو كان هذا صحيحًا لإقيم الحد على قاذف الصبية والمجبوب، ولأقيم الحد على القاذف حتى ولو ثبت صحة كلامِهِ، ولَمَا اُكتفي بالنسبة للزوج ملاعنته لامرأتِهِ.

6 – أنَّ الشريعةَ تتشوف إلى اتصال الأنساب وعدم التشكيك فيها، ويدل على ذلك أمورٌ كثيرةٌ منها:

أ – تحريم الإسلام للتبني؛ دلَّ عليه قوله تعالى: " وما جعلَ أدعيائكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " [الأحزاب: 4].

ب – تحريمُ الطعنِ في الأنساب؛ دَلَّ عليه حديث قوله – عليه الصلاة والسلام –: " اثنتان في الناس هما بهما كفر: النياحة، والطعنُ في الأنساب ".

ج – أنَّه يجوز إلحاق نسب الطفل بآخر ادَّعاهُ إذا لم يكن هناك ما يعارضه.

د – تحريم انتسابِ الإنسان لغير أبيه أو مواليه؛ دلَّ عليه حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أنَّه سمعَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " ليس من رجلٍ ادَّعَى لغير أبيهِ – وهو يعلمه – إلا كفر، ومَنْ ادَّعَى قومًا ليس لهم فيه نسبٌ فليتبوأ مقعدَهُ من النار " [2].

هـ - قبولُ شهادة الشاهد بأنَّ فلانًا ولدُ فلانٍ؛ دلَّ عليه تفريق النبي – صلى الله عليه وسلم – بينَ الرجل وزوجته بكلامِ امرأةٍ أرضعتهما، وقبول قول المرأة التي تُوَلِّدُ الحامل.

و – أنَّهُ يقبلُ في إثباتِ النسبِ واتصاله شهادةُ القائف عند جمهور أهل العلم إلا الحنفية وأصحابه؛ دلَّ عليه حديث مجزز المدلجي [3].

إلى آخر هذه الشواهد التي تؤكد تشوف الشارع إلى المحافظة على الأنساب وإلحاقها بمن تدل القرائن عليه كما أشار إلى ذلك ابن القيم – رحمه الله – في الطرق الحكمية (2/ 582): والقياسُ وأصولُ الشريعةِ تشهدُ للقافةِ؛ لأنَّ القولَ بها حكمٌ يستندُ إلى دَرَكِ أمورٍ خَفيَّةٍ وظاهرةٍ، توجبُ سكونًا للنفسِ، فوجبَ اعتبارُهُ كنقدِ الناقدِ، وتقويمِ المُقَوِّمِ ... وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة، والدعوى المجردة مع الإمكان، وظاهر الفراش، فلا يستبعد أنْ يكونَ الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيًا في ثبوته ... والمعلوم أنَّ طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال، والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا.

ومن خلال استجلاء هذه المقاصد بالنسبة لحد القذف تظهر لنا بعض الحِكَم والأسرار:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير