تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام: والمقصود أن هذه الطرق العقلية الفطرية هي التي جاء بها القرآن واتفق العقل والشرع وتلازم الرأى والسمع والمتفلسفة كابن سينا والرازى ومن اتبعهما قالوا إن طريق إثباته الاستدلال عليه بالممكنات وإن الممكن لابد له من واجب قالوا والوجود إما واجب وإما ممكن؛والممكن لابد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على التقديرين , وهذه المقالة أحدثها ابن سينا وركبها من كلام المتكلمين وكلام سلفه؛فإن المتكلمين قسموا الوجود إلى قديم ومحدث وقسمه هو إلى واجب وممكن.وذلك أن الفلك عنده ليس محدثا بل زعم أنه ممكن وهذا التقسيم لم يسبقه إليه أحد من الفلاسفة بل حذاقهم عرفوا أنه خطأ وأنه خالف سلفه وجمهور العقلاء وغيرهم. وقد بينا فى مواضع أن القدم ووجوب الوجود متلازمان عند عامة العقلاء الأولين والآخرين ولم يعرف عن طائفة منهم نزاع فى ذلك إلا ما أحدثه هؤلاء؛فإنا نشهد حدوث موجودات كثيرة حدثت بعد أن لم تكن ونشهد عدمها بعد أن كانت وما كان معدوما أو سيكون معدوما لا يكون واجب الوجود ولا قديما أزليا.

مجموع الفتاوى (1

49)

وقال شيخ الإسلام: ولما كانت طرق معرفة الله والإقرار به كثيرة متنوعة صار كل طائفة من النظار تسلك طريقا إلى إثبات معرفته ويظن من يظن أنه لا طريق إلا تلك وهذا غلط محض وهو قول بلا علم.

فإنه من أين للإنسان أنه لا يمكن المعرفة إلا بهذا الطريق؟ فإن هذا نفي عام لا يعلم بالضرورة فلا بد من دليل يدل عليه ,وليس مع النافي دليل يدل على هذا النفي بل الموجود يدل على أن للمعرفة طرقا أخرى وأن غالب العارفين بالله من الأنبياء وغير الأنبياء بل من عموم الخلق عرفوه بدون تلك الطريق المعينة.

وقد نبهنا في هذا الكتاب على ما نبهنا عليه من طرق أهل النظر وتنوعها على ما يأتي وأن الطرق تتنوع تارة بتنوع أصل الدليل وتارة بزيادة مقدمات فيه يستغني عنها آخرون؛فهذا يستدل بالإمكان وهذا بالحدوث وهذا بالآيات وهذا يستدل بحدوث الذوات وهذا بحدوث الصفات وهذا بحدوث المعين كالإنسان وهذا بحدوثه وحدوث غيره , وآخرون غلطوا فظنوا أنه لا بد من العلم بحدوث كل موصوف تقوم به الصفات وقد يعبرون عنه بلفظ الجسم والجوهر والمحدود والمركب وغير ذلك من العبارت وآخرون يستدلون بحدوث ما قام به الحوادث ويقولون كل ما قامت به الصفات محدثا. والفلاسفة لم يسلكوا هذه الطريق لاعتقادهم أن من الأجسام ما هو قديم تحله الحوادث والصفات فكونه جسما ومتميزا وقديما وتحله الصفات والحوادث ليس هو عندهم مستلزما لكونه محدثا بل وليس ذلك مستلزما عند أرسطو كونه ممكنا يقبل الوجود والعدم وكذلك لم يسلكها كثير من أهل الكلام كالهشامية والكرامية وغيرهم بل ولا سلكها سلف الأمة وأئمتها كما قد بسط في موضعه.

ولم يسلكها متأخرو أهل الكلام الذين ركبوا طريقا من قول الفلاسفة وقول أسلافهم المتكلمين كالرازي والآمدي والطوسي ونحوهم بل سلكوا طريقة ابن سينا التي ذكرها في إثبات واجب الوجود طريقة ابن سينا.

وطريقة ابن سينا لم يسلكها سلفه الفلاسفة كأرسطو وأصحابه بل ولا سلكها جماهير الفلاسفة بل كثير من الفلاسفة ينازعونه في نفيه لقيام الحوادث والصفات بذات واجب الوجود ويقولولن إنه تقوم به الصفات والإرادات وأن كونه واجبا بنفسه لا ينافي ذلك كما لا ينافي عندهم جميعا كونه قديما.

ولكن ابن سينا وأتباعه لما شاركوا الجهمية في نفي الصفات وشاركوا سلفهم الدهرية في القول بقدوم العالم سلكوا في إثبات رب العالمين طريقا غير طريقة سلفه المشائين كأرسطو وأتباعه الذين أثبتوا العلة الأولى بحركة الفلك الإرادية وأن لها محركا يحركها كحركة المعشوق لعاشقه وهو يحرك الفلك للتشبه بالعلة الأولى فعدل ابن سينا عن تلك الطريقة إلى هذه الطريقة التي سلخها من طريقة أهل الكلام الذين يحتجون بالمحدث على المحدث وهو لا يقول بحدوث العالم فجعل طريقته الاستدلال بالممكن على الواجب ورأى أولئك المتكلمين قسموا الوجود إلى قديم ومحدث فقسمه هو إلى واجب وممكن وأثبت الواجب بهذا الطريق ولكن هذا بناء على أن القديم ممكن وله ماهية تقبل الوجود والعدم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير