[البيان المختصر لحكم التشاؤم بصفر]
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[09 - 02 - 08, 08:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
’’ البيان المختصر لحكم التشاؤم بصفر ‘‘
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، و على آله و صحبه، و بعد:
فهذا مقال مختصر، و بحث معتصر في بيان معنى صفر الوارد في الأثر، و اعتقاد أهل الجاهلية فيه؛ للعلم و الحذر، و الله أسأل توفيقه و سداده، وأن ينفع به من شاء من عباده، إن ربي لسميع الدعاء.
توطئة:
اعلم أيها الأخ الصفي ـ رحمني الله و إياك ـ أن (الطيرة هي التشاؤم بالطيور أو الأسماء أو الألفاظ أو البقاع أو غيرها فجاء الشارع بالتحذير منها و ذمها و ذم المتطيرين، و كان ـ صلى الله عليه و سلم ـ يحب الفأل و يكره الطيرة، لأن الفأل لا يخل بعقيدة الإنسان و لا بعقله، و ليس فيه تعليق للقلب بغير الله، بل فيه من المصلحة إدخال النشاط و السرور على القلب، و تقوية العزائم و الهمم، و شحذ النفوس للسعي في تحقيق المقاصد النافعة و الغايات الحميدة، بخلاف النظرة المتشائمة فإنها نظرة متعثرة تخلخل التفكير و تعوق القلب و تقطع النفس و تثبط الهمم و تجلب لصاحبها التواني و الكسل، فلا غرو أن يأتي الدين الحنيف بذم هذه النظرة القاتمة و محاربة هذا التفكير المظلم) [1].
نص الحديث:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((لا عدوى، و لا طيرة، ولا هامة، و لا صفر)).
رواه البخاري (5707) و مسلم (2220).
قال العلامة محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ في (القول المفيد على كتاب التوحيد ص 361): ((النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود؛ لأنها موجودة و لكنه نفي للتأثير، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما؛ فهو سبب صحيح، و ما كان منها سببا موهوما؛ فهو سبب باطل، و يكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، و لكونها سببا إن كان باطلا)) اهـ.
و قال معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 339):
((من المعلوم أن المنفي هنا ليس هو وجود الطيرة؛ لأن الطيرة موجودة من جهة اعتقاد الناس، و من جهة استعمالها، و كذلك العدوى موجودة من جهة الوقوع، و لهذا قال العلماء: النفي هنا راجع إلى ما تعتقده العرب و يعتقده أهل الجاهلية؛ لأن (لا) هنا نافية للجنس و اسمها مذكور، و خبرها محذوف لأجل العلم به، فإن الجاهليين يؤمنون بوجود هذه الأشياء، و يؤمنون أيضا بتأثيرها، فالمنفي ليس هو وجودها و إنما هو تأثيرها، فيكون التقدير هنا: لا عدوى مؤثرة بطبعها و نفسها و إنما تنتقل العدوى بإذن الله ـ جل و علا ـ، و كان أهل الجاهلية يعتقدون أن العدوى تنتقل بنفسها، فأبطل الله ذلك الاعتقاد، فقال ـ عليه الصلاة و السلام ـ: " لا عدوى "، يعني: مؤثرة بنفسها، " و لا طيرة " أي: مؤثرة أيضا، فإن الطيرة شيء وهمي يكون في القلب، لا أثر له في قضاء الله و قدره، فحركة السانح، أو البارح، أو النطيح، أو القعيد [2]، لا أثر لها في حكم الله و في ملكوته، و في قضائه و قدره، فخبر (لا) النافية للجنس تقديره (مؤثرة) أي: لا طيرة مؤثرة، بل الطيرة شيء وهمي، و كذلك قوله: " و لا هامة و لا صفر .. " إلخ الحديث، و قد سبق بيان أن خبر (لا) النافية للجنس يحذف كثيرا في لغة العرب إذا كان معلوما، كما قال ابن مالك في آخر باب (لا) النافية للجنس في الألفية:
و شاع في ذا الباب إسقاط الخبر ** إذا المراد مع سقوطه ظهر)) اهـ.
و نقتصر في هذا المقال على إيضاح معنى قوله ـ عليه الصلاة و السلام ـ: " لا صفر "، و أقوال أهل العلم في شرحه، مع بيان الراجح منها، و من أراد الإطلاع على معاني الألفاظ الأخرى فما عليه إلا الرجوع إلى مضان هذا الموضوع مثل شروح (كتاب التوحيد) و غيرها.
أقوال العلماء في معنى " لا صفر ":
¥