تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الهدر الفقهي]

ـ[الموسى]ــــــــ[20 - 09 - 07, 11:07 ص]ـ

أزمة الهدر الفقهي

إبراهيم السكران

طوال تاريخ التراث لم يواجه الفقه الإسلامي تحدياً كالذي يواجهه اليوم أمام أسواق المال، وأعمال المصارف، وأنماط التمويل، ومشتقات الائتمان، وأنظمة النقد، وصيغ الاستثمار ونحوها من أشكال الحداثة الاقتصادية المعقدة، ولقد شاع بين كثير من الباحثين المعاصرين استعمال مصطلح (النوازل) في التعبير عن هذه المتغيرات.

وفي تقديري أن إسقاط مصطلح النوازل على هذه الحالة الجديدة يعتبر توظيفاً غير دقيق، ذلك أنه لا يعكس حجم وطبيعة هذه المعطيات الجديدة؛ فالأفق الدلالي لمصطلح النوازل يوحي بمجرد وقائع حادثة تقفز بين فينة وأخرى على هوامش الكتلة الفقهية الفروعية الراسخة والمستقرة، كما هو المعهود في تاريخ التراث الإسلامي المديد، أما في واقع اليوم فالشأن قد اختلف تماماً، ذلك أننا لسنا أمام مجموعة فروع حادثة تزور طاولة الفقيه غباً بقدر ما إننا أمام منظومة اقتصادية جديدة ذات منتجات متدفقة، وتبدلات متسارعة، وتحولات محمومة، وعلاقات مركبة بحيث أصبح الجديد هو الأصل والتقليدي هو الاستثناء.

ومهما شعر المتابع بتعقيد الصورة الاقتصادية المعاصرة في مقابل أزمة (الهدر الفقهي) في البرامج التقليدية للعلوم الشرعية، فإنه لا يمكن أن يتجاهل جهود بعض الرواد من الفقهاء المعاصرين الذين أصروا على خوض غمار هذه المعطيات الجديدة، والاجتهاد في محاولة تقديم أدق تصور شرعي يحقق المراد الإلهي، عبر المشاركة الجادة والمتواصلة في ندوات المصرفية الإسلامية، والمجامع الفقهية، واللجان الشرعية لأعمال المصارف، والمجلات العلمية المتخصصة، والأطروحات الفقهية، والرسائل الأكاديمية المتميزة، وغيرها من القنوات المعنية بالمشكلات الفعلية في حياة المجتمع المسلم، فإلى أولئك وحدهم يعود الفضل الأساسي – بعد الله- في تنمية فقه المعاملات المالية، والدأب على تطويره.

ومهما تطارحنا من نقد حول واقع فقه المعاملات المالية المعاصرة فإن ذلك ينبغي ألاّ ينسينا واجبات الوفاء لأولئك الآباء المؤسسين الذين ضحّوا براحتهم الشخصية، وقاوموا كثيراً من ارتباطاتهم الاجتماعية وضغوطات الحياة المادية من أجل أن يقدموا للمجتمع المسلم منظوراً يبني إمكانياته الاقتصادية والاستثمارية في ظل الاطمئنان الشرعي.

ومع ذلك كله لا تزال في طريق علم (فقه المعاملات المالية) الكثير من الخطوات والمهام الضرورية لاستكمال مسيرة التنمية الفقهية، فبادئ ذي بدء لقد حان الوقت لكي يقرر هذا الفرع الفقهي أن يستقل عن الشجرة الفقهية العامة، كما استقل من قبله علم الفرائض، وعلم القضاء، وعلم السياسة الشرعية وغيرها من الفروع التي احتفلت باستقلالها المبكر في تاريخ الفقه الإسلامي، احتراماً لخصوصيتها وحاجتها للمعالجة المتخصصة.

فقد أصبحت خصوصية فقه المعاملات المالية النابعة من تعقد علاقاته بالعلوم الأخرى كالاقتصاد والمحاسبة والقانون التجاري والإدارة وغيرها من العلوم ذات الصلة أكبر من أن تحتملها فصول معدودة في مدونة الفقه الإسلامي، ويستحيل على الفقيه المعاصر أن يكون مبدعاً في فقه المعاملات المالية طالما أن دراسته لهذا الفرع لا تزال تقتصر على بضع محطات متواضعة في رحلته الفقهية الشاسعة والمنهكة والممتدة من (باب المياه) إلى (باب الإقرار).

لقد أزف الوقت – إن لم يكن قد تأخر كثيراً- لكي يصبح فقه المعاملات المالية تخصصاً مستقلاً يُزوَّد المتدرب فيه بكامل التقنيات المعرفية التي يحتاجها من العلوم الإنسانية الحديثة، وبشكل خاص المفاهيم الأساسية في الاقتصاد والمحاسبة والقانون التجاري والإدارة، بالإضافة إلى الكليات الفقهية والقواعد الأصولية والمبادئ المقاصدية، وتاريخ التشريع ذات المساس المباشر بهذا العلم، بحيث تصبح هذه الوحدة الفقهية مجهزة بكامل المعدات العلمية اللازمة بشكل منظم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير