تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال البغوي: ? فَأَزَلَّهُمَا ? استزل الشيطان آدم وحواء، أي: دعاهما إلى الزلة، وقوله تعالى: ? عَنْهَا ? أي: عن الجنة ? فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ? أي: من اللباس، والمنزل الرحب، والرزق الهني، والراحة، وعن أبيّ بن كعب مرفوعًا: «إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء».

وفي رواية: «لما ذاق آدم من الشجرة فرّ هاربًا، فتعلقت شجرة بشعره، فنودي: يا آدم أفرارًا مني؟ قال: بل حياء منك. قال: يا آدم اخرج من جواري، فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقًا، ثم عصوني لأسكننهم دار العاصين». رواه ابن أبي حاتم.

? وَقُلْنَا اهْبِطُواْ ?: انزلوا إلى الأرض ? بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ?.

قال البغوي: أراد العداوة التي بين ذرية آدم، والحية، وبين المؤمنين من ذرية آدم، وبين إبليس، قال الله تعالى: ? إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ?، وقال السدي: قال الله تعالى: ? اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ? فهبطوا ونزل آدم بالهند، ونزل معه الحجر الأسود، وقبضة من ورق الجنة، فبثه بالهند فنبتت شجرة الطيب، فإنما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق التي هبط بها آدم، وإنما قبضها أسفًا على الجنة حين أخرج منها. وعن الحسن البصري قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميسان من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان، وعن أبي موسى قال: إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض، علمه صنعة كل شيء، وزوّده من أثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير، وتلك لا تتغير. وروى مسلم، والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها».

قال بعض العارفين: كنا قومًا من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها، وقال الشاعر:

يا ناظرًا يرنو بعيني راقد (ومشاهدًا للأمر غير مشاهد (

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي (درج الجنان ونيل فوز العابد (

أنسيت ربك حين أخرج آدمًا (منها إلى الدنيا بذنب واحد (

وقال بعضهم:

ولكننا سبي العدو فهل ترى (نعود إلى أوطاننا ونسلم (

وقوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ?: مواضع قرار، ومتاع بلغة مستمتع ? إِلَى حِينٍ ? إلى انقضاء آجالكم.

قوله عز وجل: ? فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) ?.

قال سعيد بن جيبر وغيره: الكلمات هي قوله: ? رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ?، وقال مجاهد عن عبيد ابن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب، خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني؟ أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفر لي. قال: فذلك قوله تعالى: ? فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ?، وعن ابن عباس: ? فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ?. قال: قال آدم عليه السلام: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال له: بلى ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى. قال: أرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم.

وقوله تعالى: ? فَتَابَ عَلَيْهِ ? تجاوز عنه، ? إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ? على عباده، ? الرَّحِيمُ ? بخلقه. كما قال تعالى: ? وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ?، وقال تعالى: ? وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ?.

قوله عز وجل: ? قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ?.

قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية: أنه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرسل؛ كما قال أبو العالية: الهُدَى الأنبياء والرسل والبينات، والبيان. ? فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ?، من أقبل على ما أنزلت به الكتب، وأرسلت به الرسل ? فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ? أي: فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ? وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ? على ما فاتهم من أمور الدنيا.

وقوله تعالى: ? وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ? يوم القيامة، ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? لا يخرجون منها، ولا يموتون، فيها فنعوذ بالله من حالهم.

* * *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير