تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت – وبالله أستعين -: أما بالنسبة للعلامة ابن أبي زيد فيبدو أنه سار على تلك الطريقة فعلا، وقد أورد الدكتور المختار بن الطاهر التليلي في كتابه [ابن رشد وكتابه المقدمات] 516 – 517 نصا من أول كتاب الزكاة من مختصر ابن أبي زيد أبان فيه عن مدى التغيير في طريقة صياغة مختصره للمدونة، وهذا الشيخ الدباغ في [معالم الإيمان] يشير إلى منهج ابن أبي زيد – رحمه الله – في تعامله مع المدونة، فيقول 3/ 124: ( ... وكان أبو محمد يعتبرها على المعنى فيتأولها).

أما العلامة البرادعي – رحمه الله – فالذي يظهر أنه كان حريصا على المحافظة على نص كلام الإمام وتلميذه حسبما جاء في الأصل ... ، وعمله هذا يتماشى تماما مع المنهج القروي في دراسة المدونة وشرحها – كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله – وبهذه المحافظة على كلام الإمام، والتزام الاقتصار على اختصار مسائل المدونة فقط؛ ظهر القبول والانتشار للتهذيب في الأوساط العلمية بالقيروان وغيرها على حساب مختصر ابن أبي زيد، إذ لولا هاتان الميزتان ما كان لتهذيب البرادعي أن يكون له مثل هذا الحضور في القيروان وغيرها، ولكان نصيبه مثل بقية أعماله التي أهملت وطرحت لأسباب سبقت الإشارة إلى بعضها.

ولكن هل التزم فعلا العلامة البرادعي بإتباع لفظ الإمام في كل تهذيبه؟ بقليل من التأمل من خلال مقارنة سريعة بين بعض فقرات التهذيب وكلام الإمام في المدونة في مواطن عدة = نجد أنه قد خالف في تهذيبه ألفاظها مرارا وتكرارا ... وأتي بمعاني ما تضمنته بلفظه هو، وأكبر دليل على صدق ذلك – فوق ما يتضح من خلال المقارنة الفعلية بين نصيهما كما يأتي – كثرةُ اعتراض بعض الأئمة الفقهاء المالكيين على كثير من الجُمَل والمسائل المهذبة في كتاب البرادعي ... من ذلك قيام الإمام أبي محمد عبد الحق الصقلي < تـ 466 > بتصنيف جزء لما وهم فيه صاحب التهذيب على المدونة.

ومن ذلك ما ذكره صاحب نيل الابتهاج 318، نقلا عن [عنوان الدراية] للغبريني 143، في ترجمة علي بن أحمد بن الحسن التُّجيبي الحرالي أنه: ( ... أقرأ التهذيب فبيّن في كثير من مواضعه مخالفته لأصل المدونة، ومغايرته لها، فيأمر بالأصل فيساق، فيبين المخالفة بينهما ... ).

ومن ذلك ما جاء في الذخيرة 2/ 254 – 255: (قال صاحب الطراز: وقع في التهذيب غلط وهو قوله: " يؤم الأعلم إذا كان أحسنهم حالا " وإنما في الكتاب: إذا كانت حاله حسنة، والفرق ظاهر بين حسن وأحسن).

وقد اشتهر ذلك عند متأخري المالكية حتى عرفت هذه الاختلافات إذا أشير إليها بـ[مسائل التهذيب]، وممن أشار إليها مرارا الشيخ الرصاع في شرحه على حدود الإمام ابن عرفة – رحم الله الجميع -.

ومعلوم – بداهة – أنه لولا وجود الاختلاف بين لفظي المدونة والتهذيب ما كان لهذه الاعتراضات والملاحظات على التهذيب وجود في كلام السابقين.

ومما يذكر هنا أن القاضي عياض حاول الدفاع عن البرادعي ضد انتقادات عبد الحق، فقال في المدارك 7/ 257: ( ... وأنا أقول: إن البرادعي بنجوة عن انتقاد عبد الحق، فإن جميع ما انتقد عليه لفظ أبي محمد – رحمه الله - ... ).

إلا أن بعض مشايخ المالكية لم يقنعهم جواب عياض – رحمه الله – قال الإمام الرصاع في شرح حدود ابن عرفة ص 483: ( ... ثم إن كلام عياض الذي أشار إليه هو ما ذكره في مداركه، وأن البرادعي لا يَرِدُ عليه ما ذكره عبد الحق في كثير من اعتراضاته؛ لأن البرادعي سبقه أبو محمد، فالاعتراض عليه وحده، وهذا كلام وجدته بخط بعض تلامذة الشيخ ابن عبد السلام، أنه كان يقول - رحمه الله -: هذا كلام غير بيّن، لأن البرادعي رضي به، ومن رضي بقول قال به، لأن التصويب والتخطية إنما هو على القول من حيث هو إلى آخر كلامه).

وكلام القاضي عياض هذا، وما ذكره عن التهذيب في أول ترجمة أبي سعيد البرادعي من قوله: ( ... اتبع فيه طريقة اختصار أبي محمد ... ). يفهم منه أن هناك تشابها في طريقة صياغة مختصريهما ... إذ لا يمكن حمل كلام القاضي إلا على هذا المعنى، فقد استثني التشابه الشكلي المتمثل في الزيادة على الأصل، ومراعاة الترتيب = بقوله عقب ما تقدم: ( ... إلا أنه جاء به على نسق المدونة، وحذف ما زاده أبو محمد ... ). فلم يبق في إتباع طريقته إلا أنه تبعه في صياغة بعض ما جاء في المدونة بأسلوبه الخاص.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير