وصدق من قال موصيا 13:" عَدُوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم "، فنحرم علمهم ويضيع علينا فقههم.
قال العلامة المعلمي رحمه الله:" الحكم على العلماء والرواة يحتاج إلى نظر وتدبر وتثبت أشد مما يحتاج إلى الحكم في كثير من الخصومات، فقد تكون الخصومة في عشرة دراهم فلا يخشى من الحكم فيها عند الغضب إلا تفويت عشرة دراهم، فأما الحكم على العالم والراوي فيخشى منه تفويت علم كثير وأحاديث كثيرة، ولو لم يكن إلا حديثا واحدا لكان عظيما " 14.
ولا نعني بهذا الكلام بحال عدم رد الخطأ لأن بيانه من باب حظ الشريعة ولا يلزم من ذلك دوما الكلام في صاحب الغلط لأن هذا الأخير من باب حظ المخالف والواجب أن نعطي كل حظ حقه ومستحقه 15.
فالقاعدة الأصيلة المقررة في الشريعة الغراء والمعلومة عند العلماء أن الأصل هو بيان الأخطاء دون التعرض للأشخاص خاصة النجباء 16.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في معرض كلامه عن رد الباطل والخطأ:" فيكون ذلك بأحسن عبارة، وألطف إشارة، دون تهجم، أو تجريح، أو شطط في القول يدعو إلى رد الحق، أو الإعراض عنه.
ودون تعرض للأشخاص، أو اتهام للنيات، أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها " 17.
والمتأمل في منهج النبي عليه الصلاة والسلام في التنبيه على الأخطاء يجد أنه عليه الصلاة والسلام في معظم أحواله يكتفي بالبيان العام كقوله: "ما بال أقوام، أو ما بال رجال" ونحو ذلك، ومن ذلك ما ورد في قصة الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت النبي عليه الصلاة والسلام ليسألوا عن عبادته فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء، فلما علم النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا" متفق عليه.
وعلى هذا النهج سار الأئمة والعلماء، ففي قصة الخلاف الذي وقع بين الزبير رضي الله عنه ورجل من الأنصار في السقي، وفيه أنهما تحاكما إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال للزبير: "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" متفق عليه.
يقول العلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله: "لله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه ستراً عليه، كي لا يغضي من مقامه، وهكذا فليكن الأدب، وكفانا في هذا الباب إبهام التنزيل في كثير من قصصه الكريمة" 18.
ومن عظيم ما ينبغي أن يكون مقررا عندنا في هذا الصدد: عدم التلازم بين الخطأ والإثم كما هو معتقد أهل السنة والحديث فإن "أهل الضلال هم الذين يجعلون الخطأ والإثم متلازمين"19.
فإذا اتضح ما سبق، واستقر في الخفق: فهل ستسعى لتنقية نفسك من عللها؟ أم ستولي معرضا عن قبحها؟!.
فشمر يا هذا إلى إحكام علمك، واحرص على تطهير نفسك، فإن الأخلاق أنفاس، تؤخذ بالاقتباس، وصحبة الأكياس، وتعهد الأساس.
.................................................. .............
1. يقول الإمام القرافي رحمه الله:" والتفكه بأعراض المسلمين حرام والأصل فيها العصمة " الفروق 8/ 259.
2. كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين 1/ 439.
3. غربة الإسلام لابن رجب رحمه الله 87، وقال إياس بن معاوية رحمه الله:" كان أفضلهم عندهم (أي: السلف) أسلمهم صدرا وأقلهم غيبة "أخرجه الطذبراني في مكارم الأخلاق 388.
4. قال الحافظ الذهبي رحمه الله:" كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس " ميزان الاعتدال 1/ 111.
5. قاله الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في جامع بيان العلم وفضله 2/ 152.
6. الإحياء للغزالي رحمه الله 1/ 41.
7. نفسه.
¥