و بدأت الأسئلة من الراكبين تنهال و هو لها بالجواب السديد حلاّل. و انعقد لساني و اهتز جناني و عرقت جوارحي و أركاني. و قلتُ في نفسي: يا فهد ما الخبر؟ دقّق فيمن أمامك النظر أهذا العالم الحافظ للأثر؟ ّ! نعم هو- هو- بعمامته و ذؤابتها و بأخلاقه و رفعتها و بأجوبته العلميّة و أصالتها. و سأله السائق عن حاله و أخبره أنّ فلاناً يُقرئك السلام , و حينها انبرى طالبٌ رآه في المنام و قال بأدبٍ و احترام: يا شيخ رأيت فيكم رؤيا. فقال: خيراً. و ما رأيت؟ قال الطالب: رأيتُ نفسي أمّرس – يعني اهمّز أو قل أكّبس كلاهما قيل و لا أدري ما الصواب فيها – رجليك و أنت مستلقٍ على ظهرك و بجانبك رجلٌ وضيئ الوجه كثّ اللحية أبيضها و ملبسه حسن و مظهره حسن و هو جالسٌ يتنّسك و يتّعبد , ثمّ نظر إليك فتهلل وجهه و ابتسم ابتسامة جميلة و بدأ يُسّبح و يُهّلل. فدّققتُ النظر: فإذا هو الحافظ زين الدين العراقي – رحمه الله الأول الباقي- فسكت الشيخ مليّاً و قال: الله المستعان. أخي: هل تحفظ منظومة العراقي؟ فقال الطالب: لا. قال: احفظها احفظها.
فقال الطالب: أنا الآن أحفظ في ألفيّة السيوطي. فقال الشيخ: اتركها و احفظ منظومة العراقي يبارك لك الله فيها. أخي: العراقي إمااااام العراقي إماااااام. و سكت.
فسألته: أحسن الله إليكم يا شيخ: ثبت في [صحيح مسلم] أنّ أهل النار يُعرض عليهم ملك الموت فيرونه و يعرفونه و يشمئزّون. لم هذا الاشمئزاز و هم كانوا قد " نادَوا يا مالك ليقضي علينا ربَك "؟
فأجاب و قال: هذا اشمئزاز حُزن. يعني يتذكرونه في الدنيا كيف داهمهم و باغتهم و نزع أرواحهم بشدّة. فيتذكرون ذلك المنظر المحزن لهم و يشمئزّون منه أجارنا الله و إيّاكم.
و سألته عن حديث: ((الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّه خُفّف فيه عن الكلام)) و قلت له: شيخنا حتّى الركوع و السجود خُفّف فيه. من هنا الأ يمكننا أنْ نحمل لفظة الصلاة هنا بالمعنى اللغوي أعني الدعاء خاصّة أنّ ذلك موجود بين الركن و المقام؟
فأجاب: لا يُشترط في المشابهة التوافق من كل وجه و إنّما هذا خاص بالمماثلة و على هذا لا إشكال في تشبيه الطواف بالصلاة فالطواف شابه الصلاة من جهات عدة منها:- البدء به حين دخول المسجد و كلاهما تحيّة للمسجد و غيرها. فلا إشكال يظهر. و الله أعلم.
و سأله سائل عن مسألة إرضاع الكبير؟ فقال: لا يجوز. و الله يقول " و الوالدت يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أنْ يُتمّ الرضاعة " فهذا نصّ و حديث سالم خاص و السلف على هذا إذ أنّه لم يُرّخص لغيره و لم يخالف في ذلك أحد إلاّ بعض الشافعيّة و هو قول ضعيف عندهم و الدليل واضح.
و سأله سائل عن العزم على نقض الوضوء هل هو ناقض للوضوء؟ فأجابه. لا. لا ينقض.
و سألته عن كلام للماوردي – رحمه الله – في [الأحكام السلطانيّة] عن التفريق بين الرشوة و الهديّة و مضمونه أنّ الرشوة ما أُخذت طلبا و الهديّة ما وُهبت عفوا. فسألته هل هذا الضابط صحيح و مطّرد؟ فقال: نعم هذا ذكره الماوردي – رحمه الله – و لكن الأضبط منه في المسألة هو ما عليه الجمهور من أنّ ضابط الرشوة ما كان [[إحقاقاً لباطل أو إبطالاً لحق]] فقلت: و لكن شيخنا يسألني بعض الطلاّب في الجامعة عن بعض ما يحدث في المطارات و بعض الدوائر الحكوميّة عندهم و هو أنّهم ما ينجزون المعاملات و إنْ صحّت حتى يدفعون مبلغاً رمزيّاً. فهل يُعتبر رشوة؟ فقال الشيخ: أحسنت أريدك أن تنّزل ضابط الجمهور الذي ذكرناه على مسألتنا؟ و انظر. هل هذا المراجع بدفعه للمال للموّظف أبطل حقاً؟ قلتُ: لا. شيخنا. قال إذاً ليس رشوة. و بالنسبة للموّظف الآخذ هي رشوة و في حقّه سحت و ذلك أنّه أبطل حقاً كان لك و الزمك فيه بمال هو غير مستحق له. و الخلاصة أنّ الذي مرّ عليه هذا الموقف يُعطي الموظّف و لا بأس عليه و الوزر على الآخذ.
قلتُ: و في مسألتنا الماضية كتاباً نفيساً للعلاّمة عبد الغني النابلسي الحنفي اسمه {{تحقيق القضيّة في الفرق بين الرشوة و الهديٍّة}} فليُقرأ فإنّه نفيس في بابه و ذكر فيه خلافاً عالياً.
¥