الورد الأول: إذا غربت الشمس إلى وقت العشاء، فإذا غربت صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين، فقد روي عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون}. إن هذه الآية نزلت في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وكانوا يصلون بين المغرب والعشاء.
الورد الثاني: من غيبوبة الشفق إلى وقت النوم، يستحب أن يصلي بين الأذنين ما أمكنة، وليكن في قراءته: {الم تنزيل الكتاب} و {تبارك الذي بيده الملك} فقد كان رسول الله صلى عليه وآله لا ينام حتى يقرأهما حديث حسن رواه الترمذي.
الورد الثالث: الوتر قبل النوم، إلا من كان عادته القيام بالليل فإن تأخيره في حقه أفضل، قالت عائشة رضي الله عنها: من كان الليل قد أوتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،من أول الليل، و أوسطه، وآخره، فانتهى وتره الى السحر. متفق عليه
ثم ليقل بعد الوتر:
(سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات.
الورد الرابع: النوم وإنما عددناه من الأوراد، لأنه إذا روعيت آدابه وحسن المقصود به احتسب عبادة. وقد قال معاذ رضي الله عنه: إني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي.
فمن آداب النوم: أن ينام على طهارة، وأن يتوب قبل نومه، وأن يزيل كل غش في قلبه لمسلم،وأن لا يبيت من له شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عنده.
الورد الخامس: يدخل بمضي النصف الأول إلى أن يبقى من الليل سدسه، وذلك وقت شريف.
قال أبو ذر رضي الله عنه:
سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أي صلاة الليل أفضل؟ فقال (نصف الليل أو جوف الليل، وقليل فاعله) رواه أحمد وابن حبان وفيه مهاجر بن مخلد قال الحافظ في التقريب: مقبول
فإذا قام إلى التهجد، قرأ العشر آيات من آخر سورة {آل عمران} كما روي في الصحيحين.
ثم يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين ويصلي مثنى مثنى، وأكثر ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر. أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وإسناده صحيح على شرط مسلم
الورد السادس: السدس الاخير وهو وقت السحر قال الله تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون}.
اختلاف الاوراد باختلاف الاحوال
اعلم: أن السالك لطريق الآخرة لا يخلو من ستة أحوال: إما أن يكون عابداً أو عالماً أو متعلما أو واليا أو محترفا.
الأول: العابد: وهو المنقطع عن الأشغال كلها إلى التعبد فهذا يستعمل ما ذكرنا من الأوراد وقد تختلف وظائفه فقد كانت أحوال المتعبدين من السلف مختلفة فمنهم من كان يغلب عليه التلاوة وكان فيهم من يكثر التسبيح ومنهم من يكثر الصلاة ومنهم من يكثر الطواف
قال أبو سليمان الداراني: فإذا وجدت قلبك في القيام فلا تركع وإذا وجدته في الركوع فلا ترفع.
[المقصود: أنه يكثر من العبادة التي يجد قلبه فيها]
الثاني: العالم: الذي ينتفع بعلمه في الفتوى أو التدريس أو التصنيف أو التذكير فترتيبه في الأوراد يخالف ترتيب العابد فإنه يحتاج إلى المطالعة في الكتب والتصنيف والإفادة فإن استغراق الأوقات في ذلك فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة الذي يرغب في الآخرة، ويعين على سلوك.
والأولى بالعالم أيضاً أن يقسم أوقاته، لأن استغراق الأوقات في العلم لا تصبر عليه النفس.
وكان الشافعي يقسم ليله إلى ثلاثة أجزاء: الثلث الأول لكتابة العلم، والثاني للصلاة والثالث للنوم، فأا الصيف فربما لا يحتمل ذلك إلى إذا كان أكثر النوم بالنهار
الثالث: المتعلم: وهو قريب من حال العالم.
الرابع: الوالي: مثل الإمام والقاضي أو المتولي لنظر في أمور المسلمين فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة لأنه عبادة يتعدى نفعها، فينبغي أن يقتصر في النهار على المكتوبات ثم يستغرق باقي الزمان في ذلك ويقنع بأوراد الليل.
الخامس: المحترف: وهو محتاج إلى الكسب له ولعياله فليس له أن يستغرق الزمان في التعبد بل يجتهد في الكسب مع دوام الذكر فإذا حصل له ما يكفيه [أو إذا حصل له الفراغ] عاود إلى الأوراد. أ.هـ
تنبيه
بقي أن نقول أن العبادة الواحدة قد تكون في وقت فاضلة وفي وقت أخر مفضولة.
قال ابن القيم رحمه الله: الصنف الرابع –وهو الذي رجحه-: قالوا: إن أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
وأخيرا أحب أن أنبه أنه ليس لي من هذا إلى النقل، سائلا من الله الكريم التوفيق والسداد لي ولإخواني وأن يرزقنا القول والعمل ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
¥